الأحد، 22 يناير 2012

دولة القانون ومنع انشقاق المجتمع بقلم د. فؤاد عبدالمنعم رياض ٢٢/ ١/ ٢٠١٢


يشهد المجتمع المصرى فى الآونة الحالية تدهورا سريعا فى تماسك بنيته فى نواح جذرية، وذلك فى غياب سلطة الدولة والتراخى فى إعمال مبدأ سيادة القانون، بل بتشجيع منها فى بعض المجالات. من ذلك على سبيل المثال ما تعج به الصحف من نشر أخبار عن فرق تأخذ القانون بين يديها حاملة عصيا كهربية لتأديب المجتمع وعقابه بدعوى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما يحددونه هم، ضاربين عرض الحائط بالنظام العام وبأمن المجتمع وسلامته. ومن ذلك أيضاً قيام أفراد وجماعات بملاحقة من يختلفون معهم، سواء قضائيًا أو عرفيا، فيما يذكرنا بمحاكم التفتيش فى العصور الوسطى بأوروبا.
وقد طالت مؤسسات الدولة هذا النمط من الإرهاب الفكرى بالفصل بين موظفى الدولة فى مكان العمل على أساس من الجنس، بعدما تم كذلك - فيما سبق - من منع لتعيين المرأة فى تلك المؤسسات، ولا يخفى كذلك - ما شهدناه - خلال انتخابات المجلس النيابى الأخيرة من دعاية تقصى أقباط مصر محذرة من انتخابهم بحجج زائفة تدعو إلى الكراهية وتزيد من فجوة لم تعد خافية بين أبناء الوطن الواحد، وقد سبق أن تمثلت هذه الفجوة فى أحداث عنف وجرم بالغين ونكوص من الدولة عن ملاحقة مرتكبيها.
وغنى عن البيان أن تخلى الدولة عن ممارسة دورها فى إقامة دولة القانون من ناحية، وغياب أهل الفكر عن نشر الوعى القومى بين أفراد المجتمع البسطاء الذين يشكلون نسبة كبيرة منه من ناحية أخرى - من شأنهما أن يقودا المجتمع إلى التفكك والانهيار الأكيد.
ففيما يتعلق بالدولة، حان الوقت إن لم يكن قد فات لعدم التهاون بحال من الأحوال فى الإعمال الحاسم للقانون دون خشية من فريق بعينه، والضرب بيد من حديد على من يعتدى على أمن المجتمع أو ينتزع لنفسه حق تطبيق قانونه الخاص على الآخرين.
ولا شك أن الحاكم مسؤول أمام أفراد الشعب كافة عن توفير أمنه وسلامه الاجتماعى، وكذلك فرض سيادة القانون على جميع طوائف المجتمع دون تمييز. وهذه المسؤولية تمتد إلى النطاق الدولى حيث تقضى المواثيق الدولية بتحريم التمييز والاضطهاد، بل باعتبارهما فى عداد الجرائم ضد الإنسانية التى تؤدى إلى مسؤولية دولية وجنائية تتخطى، كما هو معلوم، حدود الدول. وحرى بالدولة فى هذا المقام ألا تكتفى بالنص فى الدستور على عدم التمييز وحرية الفكر والتعبير، بل يتعين النص فى التشريعات على عقاب كل من يرتكب بالفعل أو بالقول جريمة التمييز أو الاضطهاد أو إشاعة ما يؤدى إلى التوتر الطائفى سواء فى المجال العام أو فى مجال التعامل بين الأفراد.
وجدير بالذكر أن المجلس القومى لحقوق الإنسان قام منذ سنتين بإعداد مشروع قانون لمنع كل أنواع التمييز وعقاب مرتكبيه ظل حبيس الأدراج. كذلك يتعين عدم التهاون فى ردع الخارجين على القانون الذين يهددون أمن المجتمع وسلامته بغض النظر عن قوتهم أو عددهم، وعدم تركهم يشكلون دولة داخل الدولة. وكم كنا نتمنى ألا تكتفى الصحف بنشر وقائع قيام فئات بعينها بإعداد العدة للاعتداء على المواطنين بحجة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وكذلك ألا تكتفى بنشر وقائع حرق الكنائس أو قطع الطرق بأنواعها كما سبق أن رأينا فى السنوات الماضية وبصفة خاصة فى السنة الماضية، بل كان على وسائل الإعلام المبادرة بطمأنة المجتمع على صيانة الدولة لأمنه ومصالحه بالتطبيق الفورى للقانون دون تمييز.
كذلك يجب ألا تسمح الدولة بتعقب فريق دون فريق فيما يتعلق بازدراء الأديان وعدم ترك هذا الأمر للعبث بأيدى الأفراد ووفقا لأهوائهم، وإقحام القضاء فى ذلك على حساب رسالته المقدسة فى تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.
أما فيما يتعلق بأهل الفكر والثقافة فسيسجل التاريخ بلا شك انفصالهم عن السواد الأعظم من المجتمع المصرى، من بسطاء وأشباه مثقفين من ضحايا التعليم الضحل إن لم يكن المضلل. وقد كان يتعين عليهم الحرص على التواصل مع جموع المجتمع المصرى والقيام بتوجيهه للقيم الأساسية لحياة المجتمع ومستقبله من ضرورة قبول الآخر دون تحفظ ومحاربة التمييز بكل أشكاله، وتضافر الجهود يدًا بيد لبناء الوطن، وتوعية المواطن بأولويات المجتمع الحقيقية وبواجباته نحوه فضلا عن حقوقه، وذلك بدلا من الانعزال فى برجهم العاجى أو الاختلاف فيما بينهم فى أمور لا تؤدى إلى نشر الوعى الضرورى لسلامة المجتمع، فضلا عن التصدى للقائمين على نشر الخرافة والعودة بنا إلى عصور الظلام.
وإذا كانت صلابة الدولة المصرية ووحدتها تقع إلى حد كبير على عاتق نظام الحكم فيها فإن ذلك لا ينفى الدور الأساسى للمجتمع المدنى بجميع فئاته. غير أنَّ المسؤولية الكبرى تقع على الشريحة التى تشكل غالبية الشعب المصرى والممثلة حاليا فى مجلس الشعب المنتخب. فهى الكفيلة بشكل أساسى برأب الصدع والفرقة التى يعانى منهما المجتمع المصرى.
ولعل الخطوة الأولى فى رأب هذا الصدع هى حفاظ كل مصرى على كرامة غيره من المصريين أيا كان انتماؤه من حيث الدين أو الجنس، والتصدى بشدة لكل دعوة فى الخطاب الإعلامى أو الدينى للحض على الكراهية. وغنى عن البيان كذلك أنه لا سبيل لازدهار المجتمع، إن لم يكن لبقائه، سوى الالتزام بوجود الشخص المناسب فى المكان المناسب، أى الاعتداد فقط بمعيار الكفاءة فى جميع مناحى العمل دون نظر لأى معيار يقوم على الجنس أو الدين أو الطبقة الاجتماعية.
ولا شك أن تحقيق كل ما سبق رهن بالتضافر الكامل بين القائمين على الحكم من نواب للشعب وسلطة تنفيذية من ناحية، وبين المجتمع المدنى بجميع أطرافه من ناحية أخرى، على نحو يبعد أى صدام أو شقاق، وذلك فى اتحاد يجمع بينهم نحو هدف واحد هو أن تصبح مصر مكانا صالحاً للأجيال القادمة تسعى إليه بروح المواطنة والرغبة فى العطاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ