الأربعاء، 18 يناير 2012

أمية جغرافية بقلم حلمى النمنم ١٨/ ١/ ٢٠١٢


فوجئت أن مادة الجغرافيا فى مدارسنا الثانوية اختيارية، أى أن الطالب فى الصفين الثانى والثالث من المرحلة الثانوية له أن يختار دراسة هذه المادة أو لا يختارها، والأرقام فى السنوات الأخيرة تنبئنا أن ثلاثة طلاب من بين كل عشرة آلاف طالب هم الذين يقررون دراسة الجغرافيا، والأمر فى تدنى الرقم يعود كما يحدد الخبراء إلى أسباب عديدة، منها ما يقال حول صعوبة هذه المادة، ومنها عدم وجود مدرسين يكفون للتدريس، وأسباب أخرى يجب أن يناقشها خبراء التعليم والمسؤولون بوزارة التربية والتعليم، لست معنياً بالأسباب الآن، لكن النتائج واضحة، وأبرزها ما يمكن أن نسميه حالة من الأمية الجغرافية وضعف عام فى الثقافة الجغرافية.
يبتدى ذلك الضعف فى عدم الإلمام بالحدود المصرية ومخاطر ذلك علينا، فضلاً عن المناطق الملتهبة حولنا، إهمال مناطق منابع النيل على هذا النحو المخل، هو أحد تجليات غياب الثقافة الجغرافية، رغم أن المصريين بذلوا جهوداً جبارة لتأمين هذه المنابع، فضلاً عن اكتشافها، حدث ذلك فى زمن ليس ببعيد، أيام محمد على، ثم أيام حفيده الخديو إسماعيل، ولو أن النخبة الحاكمة فى بلدنا طوال العقدين الماضيين كانت تدرك وفى وعيها وثقافتها أهمية منابع النيل لنا لما أهملتها بصورة مخلة.. ولو أن هناك ثقافة جغرافية لما تم إهمال سيناء بهذه الصورة المذرية، حتى باتت الأطماع تتناوشها، سواء من الجانب الإسرائيلى أو من جانب بعض التنظيمات الإسلامية.
الإسرائيليون وحتى قبل قيام دولتهم يضعون سيناء فى تفكيرهم الاستراتيجى كفناء خلفى لدولتهم، وبعض الإسلاميين يستغلون عزلتها وعزلتنا عنها لتأسيس ما بات يعرف بالإمارة الإسلامية، ولو أن هناك ثقافة جغرافية كاملة تدرك أهمية سيناء بموقعها وتضاريسها، فضلاً عن ثروتها وتاريخها لكان الاهتمام بها أفضل من ذلك، ولن أزيد فى هذه الجزئية، وسبب غياب ثقافة جغرافية كاملة لا يعرف الكثيرون شيئاً عن «أم الرشراش» وهى أرض مصرية تماماً، انتزعت من مصر أثناء وبعد حرب ١٩٤٨ وضمت إلى إسرائيل وصارت ميناء «إيلات» الإسرائيلى!! وهى قضية يتحدث عنها أحياناً - بعض القانونيين ورجال الخارجية على استحياء.
لا أريد أن أتحدث عن بقية المناطق الحدودية الشائكة مثل «حلايب» فى الجنوب مع أشقائنا السودانيين ومثل «واحة جغبوب» التى آلت إلى ليبيا زمن الملك فؤاد، وأثارها بعض الصحفيين فى سنوات السبعينيات فى إطار مناوشات السادات والقذافى، وليس فى إطار الوعى والحرص على الحدود والمناطق المصرية. الأمية الجغرافية لا تتبدى فى مسائل الحدود فقط، لكنها تبدو واضحة فى الوعى بجغرافية المدن المصرية، وشخصية كل مدينة، فضلاً عن المدن العربية المحيطة بنا، والتى يسافر إليها آلاف المصريين للعمل أو لأغراض أخرى.
يعرف دارسو التاريخ أنه دون الخريطة ودون الجغرافيا لا يمكن إدراك وفهم أحداث التاريخ.. مثلاً لولا دخول جيش خالد بن الوليد فلسطين وبقية الشام لما وافق عمر بن الخطاب على فتح مصر، لأن الطبيعة الجغرافية تلزمه بذلك.. وبدون ثقافة جغرافية لن نفهم الكثير من أحداث الواقع اليومى، ولن تكون هناك تنمية حقيقية، تأمل مشكلة أجريوم فى دمياط، إنها نتاج واضح لغياب البعد والثقافة الجغرافية فى التخطيط والتنمية، وهناك تخصص كامل يدرس فى جامعات العالم عن جغرافية التنمية، ولو أن شبابنا لديهم ثقافة جغرافية كاملة حول قناة السويس وتاريخها لما فكر بعضهم أثناء الثورة وبعدها أن يحاول قطع المجرى الملاحى بالقناة، لأن ذلك يمكن أن يعرض منطقة القناة لاحتلال دولى مباشر.
وإذا كنا نعد أجيالنا القادمة ومسقط ثقافة الجغرافيا من تعليمهم، فإننا سوف ندفع الثمن فادحاً فى المستقبل، إن الطالب فى المرحلة الجامعية معرض لأن يأخذه التخصص العلمى بعيداً عن الكثير من الجوانب الثقافية، لكن المرحلة الثانوية هى التى يبنى فيها الطالب ويتلقى الأسس التى تلازمه طيلة حياته. الاستبداد السياسى والفساد المالى والإدارى ليس أسوأ ما حدث فى مصر عبر العقود الأخيرة، بل انهيار النظام التعليمى.. الاستبداد والفساد يمكن التغلب عليهما فى شهور، أما انهيار التعليم فعلاجه يقتضى سنوات وسنوات ونتائجه تستمر معنا عقوداً.
وفى إعادة بناء الدولة لابد أن نفكر فى إعادة بناء النظام التعليمى لتقويم المواطن والإنسان الحديث، الذى لا يقبل بالاستبداد ولا يرتضى الفساد، وفى قلب النظام التعليمى لابد من إعادة الاهتمام لدراسة الجغرافيا، لا يكفى أن يقال لنا إن الطالب فى المرحلة الإعدادية يدرس جغرافية مصر عابراً هذا لا يكفى، لقد تم اختزال مادتى التاريخ والجغرافيا فى مسمى مطاط «الدراسات الاجتماعية» فى المرحلة الإعدادية، وفى الثانوية نجعلها مادة اختيارية، ولا أفهم كيف نتصور مواطناً لا يعرف معرفة حقة وكاملة، جغرافية بلاده وتاريخها
 شجون الجغرافيا







سيدى لعل ما قد يثير دهشتك أكثر أن نفس الطلاب الذين يحجمون عن اختيار مادة الجغرافيا ضمن موادهم الإختيارية فى امتحانات الثانوية العامة هم بذاتهم الذين يختارون الامتحان فى مادة الجغرافيا"أيضاً و ياللعجب" فى المستوى الرفيع بل و يحصلون على الدرجات النهائية فيه ، فبالله عليك كيف يستقيم هذا الوضع ؟ و كيف لمن لا يستطيع دراسة مادة بالمستوى العادى ينجح فى دراستها بالمستوى الرفيع و يحصل على أعلى الدرجات ؟ و قد كانت مادة الجغرافيا (المستوى الرفيع)!!! متاحة لكافة طلبة الثانوية العامة حتى عامين ماضيين إلى أن تم قصرها العام الماضى على طلبة القسم الأدبى ، و تجدر الإشارة إلى أن درجة مادة المستوى الرفيع من عشرة درجات يحصل الطالب إذا حصل على الدرجة النهائية(10 من 10 )على خمس درجات تضاف إلى مجموع درجاته لذلك قد يحصل بعض الطلاب على مجموع درجات يجاوزنسبة100% ، و لا يوجد تفسير لهذا الوضع الشاذ سوى أن الوزارة فى ظل نظام الثانوية العامة الحديث الذى أهمل مادة الجغرافيا نتيجة إحجام الطلاب عن إختيارها قررت الإبقاء على مادة المستوى الرفيع كديكور توهم به الجميع بأن دراسة الجغرافيا بخير و فى ذات الوقت تتيح لمدرسى الجغرافيا العمل بالتدريس كبقية الزملاء فى الدروس الخصوصية و ليس فى المدارس .
، وما تفرضه هذه الجغرافيا عليه وعلى وطنه.
 الجغرافيا مادة شيقة تعرفك ببلدك ، تدرس حدودك ، تدرس مكونات أرضك ، تعرفك ماذا تنتج وماذا تستورد ، وتعرفك بعلاقتك بدول الجوار ، تلتقي عندها العلوم من سياسة ، وعمران ، وصناعة ، وزراعة ، وصحة ، وتخطيط ، وسكان ، إقتصاد ، جمورفولوجيا ، جولوجيا ، تاريخ ، خرائط ، تعدين ، مناخ ، فلك ، الطاقة ، 0000000 إلخ تدرس فيها كيف كون النيل العظيم أرض الدلتا كاملة التي هي مقر الزراعة لآلاف السنيين ، بعد أن كانت مجرد خليج بحري ، فمصر هبة النيل بفضل الله ، تعرفك كل العالم وبيئاته المختلفة ، وتكيف الإنسان في كل بيئة رغم إختلافها ، فهي العلم الذي يدرس علاقة الإنسان والبيئة ، فهي ثقافة ومعرفة وتحليل ووصف ، فهي تراثنا المعرفي وفهمنا التاريخي لوطننا مصر الذي نعتز به جميعا
، الجغرافيا اتلغت من زمان قوي من يوم ما الحدود ساحت مش علي مستوي الجغرافيا لكن علي اساس الهوية والدين، لكن المصيبة الاكبر ان الحدود والمتاريس والسدود والخنادق حفرت لننعزل عن عالم الفكر والفلسفة والمعرفة والحداثة والديموقراطية وحقوق الانسان القانونية. التسييح من ناحية والمتاريس من ناحية اضطرتنا لان نقبل 30 عام فساد وقبلها عشرة أعوام دجل وشغل جلا جلا وقبلها 18 عام همبكة وزعيق وشتيمة وهزائم عسكرية. التاريخ لازم يضيع لان مش بس الجغرافيا الارضية هيا اللي ضاعت لكن لان جغرافيا العقل كمان ساحت علي بعضها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ