الثلاثاء، 24 يناير 2012

د. على السلمى يكتب: العبور الآمن للوطن مسؤولية مجلس الشعب والحكومة ٢٤/ ١/ ٢٠١٢


انتهت بحمد الله انتخابات مجلس الشعب وأعلنت النتائج النهائية وعقدت الجلسة الأولى للمجلس أمس ٢٣ يناير.. والأمر اللافت للنظر أن جميع الأحزاب التى تنافست للفوز بمقاعد مجلس الشعب وبذلت فى سبيل ذلك أموالاً طائلة وجهوداً جبارة لم يصدر عنها بيانات أو إشارات ذات معنى حول برامجها حال فوزها واقتراحاتها فى علاج المشكلات الوطنية المتراكمة منذ عهد الرئيس المخلوع.
إن جميع الأحزاب - من فاز بالأغلبية ومن قنع بمقاعد قليلة - اشتركوا فى ظاهرة غريبة، هى أن أحداً لم يقدم خطة سيقوم أعضاؤهم بتنفيذها حال فوزهم بمقاعد المجلس، إنهم لم يقدموا للشعب توضيحاً للقضايا التى يرغبون فى دخول مجلس الشعب من أجل العمل على التعامل معها، ولا قدموا أهدافهم التى يريدون تحقيقها لصالح الشعب، ولا عبروا عن برامج العمل والعلاجات البديلة لما يشكو منه المواطنون.
ويبدو أن الأحزاب الفائزة بعضوية مجلس الشعب تنقصها القدرة على تحليل المشكلات والسلبيات وألوان الفشل فى الأداء الحكومى وأسباب القصور فى أداء مختلف قطاعات الدولة وتردى الخدمات وانهيار المرافق العامة، واكتفى الجميع بسرد صياغات عامة عن المشكلات المجتمعية دون إخضاعها لمنطق التشخيص العلمى والبحث عن الحلول العملية والبدائل المبتكرة لها، أو البحث عن الخطوط العريضة للسياسات ومشروعات القوانين التى سيبادرون بطرحها فى جلسات مجلس الشعب، وكذلك القضايا التى تزمع تلك الأحزاب إثارتها مع الحكومة فى شكل أسئلة وطلبات إحاطة واستجوابات.
وليس الحال بالنسبة لـ«حكومة إنقاذ الثورة» أفضل من الأحزاب السياسية الفائزة بعضوية مجلس الشعب، فقبل عدة أسابيع تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة د. كمال الجنزورى أطلق عليها اسم «حكومة إنقاذ الثورة»، وذلك فى أعقاب استقالة حكومة د. عصام شرف، ولم يصدر عن الحكومة برنامج واضح يتناول الأسلوب المقترح لحل المشكلات ومعالجة الاختناقات أو كيفية الاستجابة للمطالب الفئوية أو كيفية النهوض بالاقتصاد الوطنى بسرعة.
والملاحظة المثيرة للدهشة أن رئيس الوزراء هو المتحدث الوحيد باسم الحكومة، اللهم إلا من حالات محدودة تقوم فيها بدور المتحدث الوزيرة فايزة أبوالنجا، وبخلاف ذلك، امتنع الوزراء الآخرون - أو منعوا - من الحديث إلى وسائل الإعلام، حتى إن الذين انضموا إلى الحكومة بعد إعادة تشكيلها لا يكاد المواطنون يعرفونهم أو يتذكرون أسماءهم.
كذلك لم تخرج علينا «حكومة إنقاذ الثورة» بخطة واضحة لكيفية إدارة المرحلة الأخيرة من الفترة الانتقالية وأسلوب عمل الحكومة غير المنتخبة فى ظل وجود مجلس شعب منتخب.. ناهيك عن مجلس الشورى الذى من المقرر أن تجرى الانتخابات لانتخاب الثلثين من أعضائه فى غضون أيام قليلة، وتلك قضية مهمة فى حاجة إلى تخطيط وتنسيق بين الحكومة وحزب الأغلبية والأحزاب المؤتلفة معه من جانب وأحزاب المعارضة البرلمانية من جانب آخر..
كل ذلك إلى جانب ضرورة الاتفاق بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة، كطرف أول يتولى سلطات رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية، وبين مجلس الشعب كطرف ثان سيتولى فور انتخابه سلطة التشريع، ويقرر السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك وفق المادة ٣٣ من الإعلان الدستورى الصادر فى ٣٠ مارس ٢٠١١.
ويقيناً أن المشهد السياسى بعد تشكيل مجلس الشعب وفى وجود الحكومة غير المنتخبة سيثير إشكاليات تتعلق بحدود العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فى وقت سكت فيه الإعلان الدستورى - الصادر يوم ٣٠ مارس ٢٠١١ بغرض تنظيم سلطات الدولة فى الفترة الانتقالية - عن تصور تلك العلاقة بين مجلس الشعب، كسلطة تشريعية منتخبة، وحكومة غير منتخبة يعينها رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى يباشر اختصاصات رئيس الجمهورية المحددة، فى هذا الإعلان، وذلك لحين تولى كل من مجلسى الشعب والشورى اختصاصاتهما وحتى انتخاب رئيس الجمهورية ومباشرته مهام منصبه كلٌ فى حينه.
والحكومة غير المنتخبة التى يعينها رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة مكلفة وفقاً للإعلان الدستورى بأن تتولى السلطة التنفيذية والاشتراك مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى وضع السياسة العامة للدولة، وإعداد مشروع الموازنة العامة للدولة، وإعداد مشروع الخطة العامة للدولة، وعقد القروض ومنحها وفقا للمبادئ الدستورية.. وتلك جوانب مهمة من اختصاصات السلطة التشريعية التى من المفروض انتقالها إلى مجلس الشعب، والقضية بهذا الشكل تحتاج من الطرفين - الحكومة ومجلس الشعب - إلى تنسيق وجهد للمحافظة على مصالح الوطن!
ونأتى إلى جوهر القضية، أنه لم يتم إعداد مسبق لتحديد العلاقة بين مختلف سلطات الدولة فى ظل أوضاع كان من المعلوم أن الانتخابات التشريعية ستفرزها مع استمرار الفترة الانتقالية لحين وضع الدستور الجديد ومن بعده انتخاب رئيس الجمهورية!
وتلك مشكلة تسبب فيها صانعو التعديلات الدستورية ومخترعو نظرية إجراء الانتخابات التشريعية قبل وضع الدستور! ونعود مرة أخرى للتأكيد على أن مثل هذه الأمور فى إدارة العلاقات بين مجلس الشعب والحكومة مرشحة للتكرار، بل للتصاعد، مع تقدم الحكومة بمشروعات قوانين أو اقتراحات بسياسات لا يقبلها مجلس الشعب، مثال ذلك مشروع القانون الخاص بتطوير الأزهر وانتخاب شيخه بواسطة هيئة لكبار العلماء، وهو مشروع القانون الذى أجازه مجلس الوزراء وأثار اعتراضات وردود أفعال عنيفة فى دوائر الأزهر الشريف مع اتهامات لصانعيه بتعمد تحديد شروط تستبعد عدداً من كبار العلماء الذين كان بإمكانهم أن يترشحوا لتولى شياخة الأزهر لولا تلك الشروط.
وثمة موقف آخر مرشح لإثارة الجدل بين مجلس الشعب والحكومة، إذا تقدمت الحكومة بطلب الموافقة على الاتفاق مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض لسد فجوة التمويل المقدرة بعشرة مليارات دولار، وأثار أعضاء فى المجلس اعتراضهم المبدئى على قبول التعامل مع الصندوق لأن فوائد القروض «ربا»!
والمشكلة الأكبر فى هذه الأمثلة وغيرها تتمثل فى المواقف المحتملة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة حال موافقته على آراء الحكومة واختلافه مع مجلس الشعب! وهذا الأمر يتطلب إصدار إعلان دستورى من المجلس الأعلى للقوات المسلحة - قبل الانتخابات التشريعية - بتنظيم سلطات الدولة، بما يقضى على احتمالات الخلاف بينهما، لكن الأمر لم يعد ممكنا الآن.
وقد سبق لى أن قدمت اقتراحاً يقضى بأن يصدر مجلس الشعب قانونا لتنظيم سلطات الدولة فيما تبقى من الفترة الانتقالية ولحين وضع الدستور وإجراء الاستفتاء عليه، وهذا ما فعلته «تونس»، إذ أصدر المجلس الوطنى التأسيسى المنتخب القانون المنظم للسلطات العمومية، الذى يقضى بأن يتم تنظيم السلطات العمومية بالجمهورية التونسية تنظيما مؤقتا وفقا لأحكام هذا القانون إلى حين وضع دستور جديد ودخوله حيز التنفيذ ومباشرة المؤسسات المنبثقة عنه مهامها.
وفى الحالة التونسية، فقد نص قانون تنظيم سلطات الدولة على صلاحيات محدودة لرئيس الجمهورية الذى جرى انتخابه بواسطة المجلس الوطنى التأسيسى وفق نظام برلمانى. وفى حال قبول النموذج التونسى، يصبح فى الإمكان انتخاب رئيس الجمهورية الجديد وفق الشروط والإجراءات التى ينص عليها قانون التنظيم المؤقت لسلطات الدولة فور صدوره، ويتولى الرئيس الجديد تكليف حكومة جديدة من الحزب - أو الأحزاب المؤتلفة - تتقدم إلى مجلس الشعب لتنال ثقته، وبذلك تنتهى الأوضاع الاستثنائية التى استمرت طوال الفترة الانتقالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ