الجمعة، 27 يناير 2012

الثورة مستمرة.. والطغيان يترنح بقلم محمد البرغوثى ٢٧/ ١/ ٢٠١٢


فى مثل هذه الأيام من عام ٢٠١١ كنت واحداً ممن أكدوا فى ثقة نهائية لا تقبل نقاشاً أو تفكيراً، أن «مبارك» لم يعد أمامه شىء يفعله غير أن يرحل، وعندما راح البعض يناشد الرئيس السابق عبر الصحف والفضائيات أن يحل مجلس الشعب المزور، وأن يقيل حكومة «نظيف» لينجو من مصير الرئيس التونسى السابق زين العابدين بن على، قلت عبر الفضائيات والصحف إن استجابة مبارك لهذه المطالب ستكون وقوداً إضافياً ودافعاً جباراً للشعب الثائر الذى لن يغادر الميادين قبل الإطاحة بالرئيس نفسه، وإن عدم استجابته ستؤدى حتماً إلى مزيد من إراقة الدماء، ولا يوجد حاكم فى العالم، خصوصاً فى عصر الفضاء المكشوف، بإمكانه أن يستمر فى الحكم ويداه ملوثتان بدماء شعبه.
وفى مثل هذه الأيام من عام ٢٠١١ رأيت شباب الإخوان يتوافدون على ميدان التحرير، وفهمت من بعضهم أنهم جاءوا كأشخاص بعد أن أكدت «الجماعة» أنها لن تشارك فى المظاهرات، ولكنها لن تمنع أعضاءها من الانضمام للمتظاهرين، وبعد أيام قليلة اتضح لى أن هؤلاء الشباب كانوا فى الأيام الأولى مجرد كتيبة استطلاع متقدمة تراقب الموقف، وتجمع المعلومات عن طبيعة هذه المظاهرات، لكى تقرر الجماعة موقفها النهائى على ضوئها، وعندما تأكد مكتب الإرشاد من أنها ثورة وليست مجرد انتفاضة، صدرت الأوامر بالنزول الجماعى إلى الميادين التى سقطت فى قبضة الثوار، بعد أن انكسرت الشرطة وكل الأجهزة الأمنية والسرية، أمام الطوفان البشرى الجائع إلى الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.
وفى مثل هذه الأيام من عام ٢٠١١، وخلال الأيام التى انتهت بسقوط «مبارك»، لم يجرؤ الإخوان ولا غيرهم من التيارات الدينية على إظهار هويتهم داخل الميادين، ليس لأنهم أدركوا أن اللحظة تقتضى إنكار الذات والاندماج فى المجموع، وليس لأنهم كانوا يعرفون أن غيرهم كان هو الداعى الأصيل لهذه الثورة، ولكن لأنهم أيقنوا أن إظهار هويتهم سيعرضهم للنبذ والطرد من الميادين.
وفى مثل هذه الأيام، وتحديداً عصر يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، رأيت ميدان عبدالمنعم رياض، وكنت مرابطاً حوله، يخلو فجأة من قوات الأمن المركزى، وشاهدت الجنود المساكين وقد استولى عليهم الذعر وهم يحاولون الهرب، ثم وهم ينهارون ويطلبون الرحمة من الطوفان البشرى المنتصر، وبكيت كما لم أبك فى حياتى وأنا أشارك المواطنين فى حمايتهم من أى إهانة، وراقبت عشرات الأمهات وهن يجلبن زجاجات المياه ويقدمنها للجنود المساكين الذين أهلكهم العطش والجوع.
وفى مثل هذه الأيام رأيت مدرعات ودبابات الحرس الجمهورى تنتشر حول ميدان التحرير، وشاهدت اللؤم والخسة فى عيون ضباط الحرس الذين جاءوا لإرهاب المتظاهرين، ثم تظاهروا بعد ذلك بأنهم نزلوا لتأمين المنشآت، ثم راحوا يغيرون مهمتهم مع اتجاه الريح، وأخيراً استسلموا أمام اليقين الساطع بأنه لا توجد قوة على ظهر الأرض بإمكانها أن تفعل شيئاً فى مواجهة عشرات الآلاف من البشر، ناهيك عن مئات الآلاف التى خرجت ورابطت فى الشوارع والميادين حتى سقوط الطاغية.
ويوم الأربعاء الماضى، عاد الشعب المصرى بكل فئاته وأطيافه إلى الميادين ليبدأ موجة جديدة من الثورة ضد «الحاكم» الذى لم يتغير، وضد القمع والقتل والتلاعب المهين بالثورة والثوار، وضد الظلم الاجتماعى الذى ترسخ أكثر مما كان عليه قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وضد رجال مبارك المندسين فى كل مواقع الإنتاج والإدارة وصناعة القرار، وضد المجلس العسكرى الذى تسبب ـ عن قصد أو عن سوء إدارة ـ فى تدمير فرحتنا بالثورة، بل ساهم بدور مخيف فى مزيد من الفواجع، ومزيد من الظلم الاجتماعى، وكاد يصل بالوطن كله إلى حافة هاوية الفوضى والانهيار، فهل من عاقل واحد فى هذا «المجلس» يدرك فوراً أن هذا الشعب لن يتراجع حتى ينتزع ثورته وأهدافها النبيلة من كل الأيادى التى تحاول خنقها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ