الاثنين، 2 يناير 2012

الخروج الآمن للمصريين


  بقلم   أنيسة عصام حسونة    ٢/ ١/ ٢٠١٢

أعتقد أن الشهر المتبقى على انتهاء المرحلة الثالثة للانتخابات البرلمانية وعقد مجلس الشعب جلسته الأولى فى ٢٣ يناير هو الشهر الحاسم فى وضع خريطة الخروج الآمن للمصريين إلى دولة ديمقراطية تعكس تمثيلا مستحقا لهم جميعا عبر توافق واسع النطاق فى الاجابة عن الأسئلة الصعبة، وحسم الجدل حول الأطر الحاكمة للتحرك المستقبلى، الذى يضمن مكاسب واستحقاقات كل الأطراف الفاعلة على ساحة المشهد السياسى المصرى.
لقد أثبتت الشهور الماضية أن تجاهل أىٍ من أصحاب الحق فى هذا الوطن له عواقب وخيمة علينا جميعا، وأن منطق القوة، سواء العسكرية أو السياسية أو الجماهيرية، ليس كافيا لحسم الأمور لصالح طرف دون آخر، رغم ظن البعض بإمكانية ذلك استنادا إلى شرعية ثورية أو دستورية أو انتخابية.
فبعد مرور ما يقارب العام على قيام الثورة المصرية، تبلور بوضوح أن القوى الفاعلة على الساحة تتمثل أولا فى المجلس العسكرى ـ ممثلا للمؤسسة العسكرية المصرية، وقائما بأعمال رئيس الجمهورية، وممارسا لسلطاته، ومهيمنا على الجهاز التنفيذى المتمثل فى الوزارة التى أسند إليها بعض سلطاته الثانوية ـ وثانيا القوى السياسية الإسلامية، بحزبيها الرئيسيين «الحرية والعدالة» الإخوانى و«النور» السلفى، والتى اكتسحت حتى الآن الانتخابات البرلمانية، وثالثا القوى المسماة «المدنية» أو «الليبرالية»، بأحزابها المختلفة والتى رغم نسب فوزها المتدنية فى الانتخابات مازالت تلعب دورا كبيرا فى تشكيل توجهات الرأى العام، وأخيرا وبكل تأكيد ليس آخرا، شباب الثورة، وهى كتلة مرنة ومتفاعلة، يجب ألا نحاصرها أو نهاجمها على أرضيات التصنيف أو الاستهجان أو دعاوى عدم تعبيرها عن الشارع المصرى، لأننا بذلك نخطئ خطأ جسيما ونضاعف من تعقيدات الموقف الملتهب سياسيا.
وغنىٌّ عن الذكر أن الوصول إلى توافق بين هذه الأطراف الرئيسية يقتضى ضمنا تحقيق القدر الأدنى من المكاسب التى يفترض كل طرف أنها لازمة لاستمراره وحيوية لبقائه، ولذلك فإن وضع تلك المطالب والاستحقاقات فى النور، وكشف أوراقها على مائدة تفاوض موسعة يبدو شرطا مسبقا لنجاح هذا المسعى.
ولا شك أن المطالب الرئيسية للثوار تتمثل أولا فى استحقاقات الدماء الغالية التى سالت ثمنا للحرية، بمعنى حقوق الشهداء والمصابين، وثانيا فى إحداث تغيير جذرىّ فى النظام وليس إعادة إنتاجه بوجوه جديدة، إضافة إلى مشاركة الثوار الفاعلة فى صياغة مستقبل الوطن، الذى خاطروا بأرواحهم من أجله، مشاركة حقيقية وليست من قبيل الترضية المؤقتة، وقبل ذلك التوقف عن نغمة «إنكم لم تنجحوا فى الانتخابات والشعب لم يختركم»، فنحن جميعا نعلم علم اليقين أنه لولا ما قام به هذا الجيل الرائع لما كنا الآن نناقش مثل هذه القضايا.
أما القوى المدنية والليبرالية فمطلبها الأساسى هو الحفاظ على ما يسمى «مدنية الدولة»، بمعنى ضمان حقوق المواطنة.. وجل مخاوفهم التعدى على الحقوق والحريات الشخصية، والحكم الدينى بنموذج الملالى، ومحاسبة الأفراد من منطلق دينى.. ولن يتحقق الحد الأدنى من مطالبهم إلا بدور فاعل فى صياغة الدستور، وهذا يحتاج «دليل عمل» للآلية التى ستحقق ذلك فى ظل الأغلبية الساحقة للتيار الذى يخشون توجهاته.
وبالنسبة للقوى الإسلامية، فهى حققت مطالبها بالفعل من خلال الانتخابات ويواجهها الآن تحدى الحفاظ على التوازن المطلوب فى اقتسام الغنائم مع الأطراف الأخرى، درءاً لاتهامات الاستحواذ على السلطة، إلى جانب مطالبات توضيح الالتباس بشأن تطبيق الشريعة بين مفاهيم الإخوان والسلفيين على أرضية ما تنص عليه المادة الثانية للدستور، وعليه فإن مشكلة هذه القوى ليست الحصول على المطالب وإتمام الشرعنة «المجتمعية»، لما تحقق منها، حفاظا على التناغم والتوافق.
وأخيرا، فإن الطرف الرابع فى معادلة التوافق يتمثل فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ليس بأعضائه فقط، وهذا أمر يجب عدم تناسيه، ولكن بصفته ممثلا للمؤسسة العسكرية المصرية العريقة والضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ المصرى، وهو بذلك، فى أكثر المواقف حساسية، بصفته المسؤول الأول والأخير عن تطورات المرحلة الانتقالية.
ويبدو مطلبه المعلن هو: المرور بالبلاد بسلام خلال هذه الفترة الصعبة وتسليمها لحكم مدنى منتخب والرجوع إلى ثكناته، ولكن المطلب غير المعلن له هو الحفاظ على الموقع المتميز لهذه المؤسسة فى تركيبة علاقات السلطة فى الدولة المصرية، بالنص على ذلك فى الدستور.
والأهم من ذلك ضمان انسحابه المشرف من الساحة بطريقة تعكس التقدير والامتنان لقراره بحماية الثورة والوقوف فى صفها وضمان عدم مساءلة قياداته عن أى تجاوزات أو أخطاء قد يكون تم ارتكابها خلال الفترة الانتقالية، وهو ما يطلق عليه تعبير «الخروج الآمن»، سواء من خلال تشريع يصدره البرلمان القادم أو ربما باستفتاء شعبى يرسخ حماية قيادات المجلس من أى مساءلة مستقبلية دون التعرض لمخاطر تغيير التشريعات.
وبذلك تصبح الأسئلة المحورية هنا ـ بافتراض صدق نية المجلس العسكرى فى العودة للثكنات ـ هى:
هل تسمح الأطراف المعنية للمجلس العسكرى بالخروج الآمن دون مساءلة من خلال استفتاء شعبى يرسخ الصورة الإيجابية للمجلس مقابل انتخابات رئاسية مبكرة؟
وهل التيار الإسلامى مستعد للوصول إلى آلية توافقية لصياغة الدستور وإعلان كيفية تحقيق ذلك؟
وهل القوى الليبرالية على استعداد للوقوف صراحة فى صف الثوار وتبنى أولوياتهم دون استعلاء عليهم؟
وهل حقيقة تقبل هذه الأطراف جميعا الجلوس فورا معا للوصول إلى توافقات بشأن الحد الأدنى للمطالب وتقديم تنازلات متبادلة تعلن على الرأى العام لتكتسب الشرعية الشعبية؟
هذه، كما قال «شكسبير»، هى المعضلة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ