الاثنين، 2 يناير 2012

من أحصاهم «أغلبية».. ومن نعتهم بـ«الصامتين»؟


  بقلم   د.طارق الغزالى حرب    ٢/ ١/ ٢٠١٢

امتلأت الساحة الإعلامية المصرية بعد الثورة بالعديد من التعبيرات التى لا يعرف أحد على وجه الدقة من وراء ظهورها وانتشارها، يحمل معظمها معنىً غامضاً وغير مُحدد ويختلف فهمه ورد الفعل تجاهه من شخص إلى آخر.
من أكثر هذه التعبيرات استفزازاً- لى شخصياً على الأقل- وصف هؤلاء العبيد (لا العباد) الذين يتجمعون (أو يُحشدون) كل حين وحين بأحد ميادين القاهرة- كان آخرها ميدان العباسية على بعد أمتار من مصحة الأمراض النفسية والعقلية الشهيرة- بأنهم «ممثلو الأغلبية الصامتة»، يرفع بعضهم صور الطاغية المخلوع، ويرفع آخرون صور بعض من زبانيته الموجودين إلى الآن على الساحة، ويرددون الهتافات المناوئة للثورة والثوار والعبارات البذيئة ضد الشرفاء من السياسيين والإعلاميين.
لست أدرى- أولاً- من أعطاهم حق أنهم يُمثلون أحداً، أغلبية كانت أو أقلية، وعلى أى أساس توزيع الصفات والمناصب على بعض منهم، فهذا رئيس ممثلى الأغلبية الصامتة، وهذا أمين عام ائتلاف، وهذا متحدث رسمى، وغير ذلك من الألقاب التى ينعت بها نفسه أى من هذه الشخصيات التى اختارت التحالف مع قوى الثورة المضادة وأنصار الاستبداد، سواء من اختار ذلك عن جهل أو طمعاً فى شىء ما أو بحثاً عن دور، أو من تم التغرير بهم من أجل استخدامهم لأغراض محددة فى المخطط الجهنمى لإجهاض الثورة وتشويه قادتها، الذى يرعاه بعض من أعضاء المجلس العسكرى وفلول القوى الأمنية، بتخطيط شيطانى توجهه قوى خارجية لا تريد لمصر أن تنهض من كبوتها، إنهم يدعون أنهم يمثلون «الأغلبية» التى هى- حسب أقوالهم- تريد الاستقرار والأمان والحفاظ على الدولة وجيشها وإنقاذ الاقتصاد، وأنا لا أعتقد أن هناك مصرياً وطنياً واحداً لا يريد هذا الذى يدعون إليه أو يختلف عليه..
 إن الشعب المصرى كله وليست أغلبيته فقط تنشد هذه الأهداف وتريد تحقيقها، ولكن هناك طليعة ثورية قائدة وثق فيها الشعب كله أيام ثورته العظيمة تريد أن يتم ذلك بدون التفريط فى المبادئ الإنسانية والقِيم العُليا التى يتوق إليها الشعب المصرى بعد أن غابت عنه طوال تاريخه، وارتضاها شعاراً لثورته ودفع الآلاف من الشباب حياتهم ثمناً لها، والتى بدونها أيضاً لن يكون هناك استقرار ولا أمن ولا إنتاج بل ولا دولة بالمعنى العصرى، وهى الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.
صحيح أن هناك أغلبية عاشت لعقود طويلة فى ظل ثقافة الطغيان وعانت من ضعف المعرفة والوعى وانتشار الأمية، وتحت تأثير إعلام فاسد مأجور خلط مفهوم الدولة فى عقول العوام بالنظام الاستبدادى وشخوصه، فكم سمع هذا الشعب طوال عصر الانهيار والفساد والقمع والنهب والسلب تعبير «مصر مبارك» تنطق بها ألسنة المنافقين الكذابين ليل نهار، وما زال فى الذاكرة عنوان صحيفة الأهرام العريقة «يوم وُلدت مصر من جديد» فى ذكرى ميلاد الطاغية.. أقول إن كل هذا بلا شك فد أنتج أغلبية من عوام الناس الذين خلطوا مابين الدولة وحكامها، والذين يظنون بحسن نية أنهم يدافعون عن مصالح وطنهم بدفاعهم عمن يحكمهم مهما كان استبداده وطغيانه..
ولكن صحيح أيضاً أن نفس هذه الأغلبية قد واجهت فى ٢٨ يناير انهياراً حقيقياً لأجهزة الدولة، بل التآمر المجرم المنظم على الشعب، بمنتهى الشجاعة والوعى الغريزى الحضارى بإدارة شؤون الدولة بأنفسهم وتكوين اللجان الشعبية فى كل مكان للحفاظ على الأنفس والممتلكات والتصدى لعملاء النظام الساقط وبلطجيته بعد أن شعروا بالعزة والفخر والتحرر من الخوف وإرهاصات عصر حرية كانت بشائره تبدو فى الأفق. هذه الأغلبية هى التى يتاجر بها تلك «الأقلية» من المأفونين الذين يتجمعون لنصرة الاستبداد والمُستبدين كل حين مُدعين بكل الفُجر والبجاحة أنهم يمثلونهم..
ولم تكن هذه الفئة الضالة فى يوم من الأيام من الصامتين، بل على العكس فإن صوتهم أو بالأحرى فحيحهم لم ينقطع منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة، فهم يطلون على عامة الشعب الجالسين فى بيوتهم وقد أصابهم الإحباط مما يحدث للثورة وأهدافها يومياً فى كل البرامج التى تتناول شتى المجالات الإعلامية والسياسية والدينية والفنية وحتى الرياضية.. فهذا أحد زعماء هذه القلة المشبوهة التى تدعى التحدث باسم «الكتلة الصامتة» يظهر يومياً فى صورة إعلامى فى القناة التى أنشأتها له أمه، كما قال، وترعاها أجهزة أمنية متآمرة ضد الثورة، وآخرون منهم يظهرون يومياً فى برامج سياسية كخبراء استراتيجيين خاصة بالقنوات الرسمية يطلقون التصريحات والتلميحات والأكاذيب عن الثورة وينشرون الخوف والفزع بين الأغلبية من العوام الطيبين،
وهناك من يرتدى عباءة الدين يُحلل ويُحرم ولا يشغله إلا خروج النساء وملابسهن، حتى البرامج الرياضية اليومية استغل فيها كباتن كرة القدم المتقاعدون والمعلقون الرياضيون المُرتزقة الساعات المطولة التى تُمنح لهم فى التهجم على الثورة والحسرة على عهد فاسد بائد استطاع فيه هؤلاء التافهون أن يكونوا مليونيرات.. خلاصة القول أن أغلبية الشعب الطيب المُحبط إكراهاً والصامت إكراهاً لا يمكن أن يُعبر عنهم تلك «الأقلية الزاعقة» المُتآمرة خُدام الاستبداد فى كل زمان ومكان.
ملحوظة: كتبت الأسبوع الماضى عن إعلام الكذب والتضليل والتدليس ورموزه، واليوم لابد أن أشير إلى رموز إعلام على الجانب الآخر يُمثلون الطليعة فى كتيبة الإعلام المهنى الوطنى الصادق الشجاع النزيه الذى يبتغى وجه الله والوطن، والغريب أن تهاجمهم حُثالة البشر الذين كتبت عنهم اليوم.. تحية خاصة إلى القدير يسرى فودة والرائعة ريم ماجد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ