بقلم محمد سلماوى ٦/ ١/ ٢٠١٢
| من
الغريب أن تتم محاكمة رموز النظام السابق على ما سرقوه من ثروات قيل إنها
بالمليارات، ثم ظلت تتضاءل حتى صارت قطعة أرض هنا وفيلا هناك، بينما جرت
تحت أعيننا جميعاً سرقة أخرى أخطر بكثير وهى سرقة الثورة التى لا تتضاءل،
بل تتزايد مع كل يوم جديد حتى وصلنا إلى الذكرى السنوية الأولى دون أن نجد
أثراً لتلك الهبة الجماهيرية العارمة التى وقعت فى يناير الماضى، وعمت جميع
مدن الجمهورية، مطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة
الإنسانية. ولقد أطلق العالم كله على تلك الهبة اسم الثورة، لأن أهدافها لم تتوقف عند التظاهر، وإنما طالبت بالتغيير الذى لا يتأتى إلا من خلال إسقاط النظام القديم، وإقامة نظام جديد يعبر عن المطالب التى نادت بها الجماهير. لكن ها هو عام كامل قد مضى والثورة مازالت حيث هى فى الشارع تمثل هبة جماهيرية تعود بين الحين والحين إلى الميدان أو الشوارع المحيطة به، بينما أجهزة الحكم مازالت تسير وفق سياساتها القديمة، يتغير القائمون عليها دون أن تتغير آليات عملها. إن المؤسسة الوحيدة التى تم تغييرها بالكامل هى المؤسسة التشريعية أى مجلس الشعب، لأن النظام السابق كان قد حله قبل رحيله، وبات علينا أن نشكل مجلساً جديداً يعبر عن الثورة، فهل يعبر مجلس الشعب الجديد بالفعل عن الثورة التى قامت يوم ٢٥ يناير؟ لا أعتقد أننى بحاجة للإجابة عن هذا السؤال، فالمجلس الجديد لا علاقة له بالثورة باستثناء نفر قليل يعد على أصابع اليدين، وفيما عدا ذلك فهو يعبر أكثر من أى مجلس سابق فى تاريخ البرلمانات المصرية منذ قيامها فى أواسط القرن الـ١٩ عن الاتجاهات الدينية التى لم تقم بالثورة، بل أصدر فصيل منها توجيهاته لأتباعه بعدم النزول إلى الشارع يوم ٢٥ يناير، وأصدر فصيل آخر فتوى للأمة بأن الخروج على الحاكم كفر، ولم ينضم أى منهما لجماهير الشعب التى انضمت للثورة منذ بدايتها، إلا بعد أن انتشرت الثورة فى جميع أرجاء البلاد وانضم إليها جميع فئات الشعب، فكيف تمكنت هذه الاتجاهات بالرغم من ذلك من أن تستحوذ على ما يزيد على ٧٠٪ من مقاعد البرلمان الجديد، وكأنها هى صاحبة الثورة ولا أحد غيرها؟ لقد أعرب خبير دستورى هولندى زار مصر أخيراً عن رأيه بأن البرلمان الذى أفرزته الانتخابات الأخيرة ليس شرعياً، لأنه انتزع فى ظل ظروف استثنائية وتحت ضغوط سياسية قاهرة، وهو يماثل الاعترافات التى تنتزع تحت ضغوط غير عادية كالتعذيب، والتى عادة ما تستبعدها المحكمة، لأنها لم تتم فى ظروف طبيعية. إن هناك من يتحدثون عن أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة «سرق» الثورة، وصار يحكم ـ حسب رأيهم ـ بما لا يتفق مع مطالب هذه الثورة، ولسنا هنا بصدد مناقشة تلك المقولة، وإنما نبدى عجبنا فقط من أن أصحاب هذا الرأى يتناسون أن المجلس العسكرى، أياً كان حكمنا عليه، فهو تارك لموقعه الحالى ـ حسب تصريحاته الرسمية ووفقاً للجدول الزمنى الذى أصدره ـ فى نهاية شهر يونيو المقبل، فما بالنا نشن حرباً ضروساً ضد من سيذهب بعد ستة أشهر، ونتغافل عن السارق الذى سيبقى معنا لسنوات مقبلة؟! إن برلمان الثورة الحالى لا يمت للثورة بصلة، بل هو يمثل أكثر الفصائل السياسية رجعية على الساحة المصرية، ومن ثم فهو محكوم عليه بالإعدام، لأنه مناقض لحركة التاريخ، والثروات يمكن سرقتها وإخفاؤها فى الخارج بالمليارات دون أن يستدل عليها، لكن سرقة الثورات لا يمكن إخفاؤها فهى جريمة واضحة ماثلة أمام أعيننا، لكن سارقى الثروة تجرى محاكمتهم، بينما سارقو الثورة يقال إنهم نتاج للديمقراطية التى أتت بها الثورة.. عجبى!! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق