الاثنين، 2 يناير 2012

احترسوا من مروجى اليأس


  بقلم   محمد البرغوثى    ٢/ ١/ ٢٠١٢
تفاءلوا بالخير تجدوه. ومع بداية كل عام جديد أتفاءل بالخير عادة، وأجاهد ما استطعت كل مظاهر الشر وانعدام الأمان وتراجع الإنتاج وتفشى الفساد والجشع، وسيطرة اللصوص والضعفاء مهنياً وأخلاقياً على معظم مواقع الإدارة. وفى بداية العام الماضى جاهدت كل مبررات التشاؤم وكتبت مقالاً فى هذه الزاوية بعنوان «فى انتظار الصباح» بشرت فيه نفسى قبل أن أبشر القارئ بتغيير كبير سيحدث قريباً، وكتمت غيظى وأنا أطالع تعليقات بعض القراء على ما كتبت: كانوا يائسين تماماً من أى تغيير، وكانت كتائب النفاق فى الصحف والفضائيات لا تتوانى لحظة واحدة عن زرع اليأس فى قلوب الجميع، على اعتبار أن الشعب المصرى كله قد تحول إلى جثة هامدة، وأنه لا يمكن أن يثور دفاعاً عن خبزه أو حريته أو حتى كرامته الإنسانية المهدرة.
وبعد أسابيع قليلة حدثت الثورة، خرجت الطليعة المثقفة أولاً، مع شباب «٦ أبريل» وحركة «كلنا خالد سعيد»، ومساء يوم ٢٥ يناير الماضى حسم الآلاف من أبناء الطبقة المتوسطة أمرهم، وقرروا النزول إلى الشوارع والميادين، ورغم مقاطعة الإخوان والسلفيين للمظاهرات شهدت أيام ٢٦ و٢٧ و٢٨ يناير عمليات مواجهة بطولية لأخطر وأفسد جهاز أمنى فى العالم كله، وعصر يوم الجمعة الموافق ٢٨ يناير أدركنا أننا فى قلب ثورة شعبية عارمة، وليس مجرد هبّة أو انتفاضة ستشتعل وتنطفئ سريعاً مثل أعواد الثقاب.
وقبل خطاب الرئيس المخلوع بساعات قليلة يوم ٢ فبراير الماضى، والذى لجأ فيه إلى استعطاف الشعب، وكاد يفلح فى دفع الوطن إلى حرب أهلية طاحنة، فوجئت بزميل لى فى «الأهرام» يضع يده على كتفى، ويخبرنى فى لهجة تهديد واضحة بأن الساعات المقبلة ستشهد نهاية مفجعة لهذه الثورة، وأن «الثوار العملاء» سيدخلون الجحور مثل فئران مذعورة، ونصحنى هذا الزميل بالتوبة العاجلة عما بدر منى فى حق الرئيس مبارك.
آنذاك كان الشعب المصرى كله ينتظر خطاب الرئيس، وكان لدينا بعض الأمل فى أن يستجيب هذا «العنيد» لمطالب الثورة، ولأننى أعرف تاريخ زميلى الذى هددنى، وأعرف مدى قربه من دوائر التآمر، فقد توجست خيفة من هذا الخطاب المنتظر، ولكننى رغم ذلك جاهدت خوفى وقلت له: خلال أيام قليلة سيسقط مبارك.. وبعد سقوطه لن يتحول أنصاره إلى فئران مذعورة، لأننا سنحميهم من أى ظلم أو انتقام... وأراهنك من الآن أنك بعد أيام قليلة ستتحول إلى إنسان منبوذ فى الأهرام، ولكنى أطمئنك بأننى سأتدخل لحمايتك، ولن أسمح لنفسى أو لأحد من زملائى بإهانتك. يومها غادرنى الزميل وفى عينيه نظرة تهديد واثقة، وعندما ألقى الرئيس السابق خطابه وخرجت بعض الجماهير المؤيدة له فى مواجهة الجماهير المطالبة بسقوطه ومحاكمته أيقنت أننا أمام مخطط شيطانى تم الإعداد له جيداً، يقوم على دفع قطاع من الشعب إلى الفتك بالثوار.
بعد ذلك تطور هذا المخطط إلى استخدام البلطجية وأمناء الشرطة وأرباب السوابق والعاطلين عن العمل لإفساد الثورة وتأديب الثوار، ولم يتوان الرئيس المخلوع وأركان نظامه ورجاله المدسوسون فى مواقع الإدارة عن استخدام هذا المخطط حتى الآن، ولا يكاد يمر أسبوع واحد إلا نشهد عملاً تخريبياً تلجأ السلطة القائمة إلى اتهام الثوار بارتكابه.
ورغم ذلك لم نفقد الأمل، ولا ينبغى أن نفقده، لأن الثورة المضادة لن تنجح أبداً إلا إذا أطفأت الأمل فى قلوبنا ودفعتنا إلى اليأس من جدوى الضغط السلمى لاستكمال أهداف الثورة المجيدة.
التفاؤل هو وقود الثائر، وطاقة الحالم بوطن أكثر عدلاً وأقل ظلماً.. وإنى لواثق أن شمس العمل والإنتاج والعدالة والكرامة الإنسانية والمساواة قد آذنت بالشروق. فلنعتصم بالأمل ولنحترس أشد الاحتراس من مروجى اليأس الذين يخوضون أشرس معارك النزع الأخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ