الأحد، 8 يناير 2012

من ولاية الرئيس.. إلى ولاية الفقيه


  بقلم   سليمان الحكيم    ٨/ ١/ ٢٠١٢

كانت الثورة المصرية تقف على الباب، وتطلب الإذن لها بالدخول.. فانطلقت التحذيرات من المخلوع ونظامه من أن تصبح مصر هى تونس الثانية.. فما كانت إلا أياما حتى أصبحت الثورة فى مصر أشد وطأة من الثورة فى تونس.. وخاب ظن الذين قالوا إن مصر ليست تونس.. واليوم نرى ونسمع تحذيرات من هنا وهناك من أن تصبح مصر أفغانستان أو إيران أخرى.. ونسمع أيضا فى مقابلها من يقول إن مصر ليست كذلك..
ونخشى أن يخيب ظن هؤلاء أيضاً حين تصل التيارات الإسلامية المتطرفة إلى سدة الحكم بعد أن رأيناها تطرق الأبواب بشدة انتظاراً للحظة الاقتحام، لتغمرنا بسيل من الفتاوى التى تحول البلاد إلى أفغانستان أو إيران التى تحكمها طائفة من الملالى الذين يؤمنون بولاية الفقيه، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه، فنكون بذلك قد انتقلنا من نظام فاسد يعتمد ولاية الرئيس إلى نظام آخر يعتمد ولاية الفقيه..!
لقد رأينا كيف كان «مبارك» وقد جمعوا له أسباب الحصافة والحكمة وسداد الرأى حتى إن حجراً فى طول البلاد وعرضها لم يكن يتحرك من مكانه إلا بتوجيهات السيد الرئيس وتعليماته، ولم يكن هناك مسؤول - كبر شأنه أو صغر - إلا وينطق بلسان الرئيس أو يسير بقدميه أو يفكر بعقله، حتى أصبحت مصر أحادية الرأى والإرادة والتفكير والعمل، ولم يعد هناك مجال يتسع لغير «مبارك» وذيوله فى كل مكان.
إن أكبر خطأ ارتكبه أصحاب نظرية ولاية الفقيه وحكم الملالى، أنهم هم المسلمون دون غيرهم، وأن الله قد منحهم دون غيرهم تفويضا للتحدث باسمه فاختزلوا الإسلام فى «جماعة»، وحصروه فى شرذمة وكأنها عملية أشبه ما تكون بالتقطير الإتلافى للدين، بينما الحقيقة التى يتجاهلها هؤلاء تحت وطأة الرغبة فى الحكم وشهوة السلطة أن الإسلام لم يعرف طوال تاريخه «رجل الدين» أو الحكومة الدينية التى عرفت فى أوروبا أو غيرها من بلاد العالم التى تدين بغير الإسلام.
فقد أعطى الله الحرية للإنسان حتى حرية الكفر، وإذا كان الله- تجلت حكمته- قد رفض، بل استنكر- أى جعله من المنكرات- أن يجبر المسلم أى كافر على الإسلام، فما بالنا بإجبار المسلم وإكراهه وهو القائل سبحانه: «إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين».
إن مشكلة هؤلاء، أو مشكلتنا معهم، ليست هى مع الإسلام أم ضده، لكنها تكمن فى أى إسلام يريدون لنا، إسلام عمر أم إسلام عثمان؟ إسلام تركى أم إسلام إيرانى أم إسلام تونسى؟ ولم يفكر أحد منهم فى إسلام مصرى، صُنع فى مصر، وبعقول مصرية، مثل إسلام الإمام محمد عبده وطه حسين والعقاد ورشيد رضا، وغيرهم من العقول التى أنتجتها تربة مصرية مخصبة بضمير وطنى يعلى شأن الوطن على شأن «الجماعة» أو «الحزب» أو «الفرقة»، إنهم لا يريدون لنا غير إسلام الملالى، وولاية الفقيه، وليته كان فقيهاً واحداً لاحتملناه، لكنه جيش من الفقهاء يطلبون الولاية فى شعب يحسبونه على «الولايا»!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ