الخميس، 12 يناير 2012

نريد الاحتفال بالثورة لا حرقها بقلم د. رأفت رضوان ١٢/ ١/ ٢٠١٢


حالة من الخوف الغريب تسيطر على كل المصريين مع اقتراب أعظم يوم فى تاريخ مصر، يوم أن هبّ الشعب الذى طالما ما وصفناه بأنه لا يثور أبدا ليقف بصدر مفتوح أمام آلات متنوعة من الفتك والتدمير جرى تطويرها عبر سنوات طويلة لتمنع أى شخص من أن يهمس بكلمة «لا» للنظام، فلا يكتفى بالهمس لكنه يصرخ بأعلى صوته ليقول كلمة وحدت الشعب، ألا وهى «الشعب يريد إسقاط النظام»، ويستمر على صرخته رغم استخدام الرصاص الحى ضده حتى يسقط رأس النظام خلال ١٨ يوما.
حالة الخوف الغريبة تتنافى مع أبسط القواعد التى تفترض أن يكون هذا اليوم هو يوم احتفال لكل المصريين على غرار ما اعتادوه فى احتفالات ذكرى ثورة ٢٣ يوليو التى وضعت العسكر على رأس السلطة فى مصر لمدة تصل إلى قرابة ٦٠ عاماً.
الخوف تصنعه تسريبات متعددة المصادر بأننا نقترب من يوم حرق مصر بدلا من يوم نصر مصر، ويتبارى من يطلقون على أنفسهم محللين استراتيجيين فى وصف سيناريوهات الحرق، ويشيرون إلى أصابع كثيرة فى الداخل أو الخارج تتأهب لإشعال فتيل الحرق بصورة جعلت الجميع يحبس أنفاسه فى انتظار اللحظة الحاسمة.
والحقيقة أن مصر تغلى من الداخل، وأن عدم الثقة أصبح هو الثابت الوحيد فى معادلة الثورة التى أصبحت معضلة بين فرق شتى، كلهم يفاخرون بأدوارهم فى الثورة، لكنهم يختلفون فيما تعنيه الثورة. فريق يرى أن الثورة قد وصلت إلى غايتها، وآن الأوان للثوار أن يعودوا لمواقعهم ويتركوا الكبار ليديروا العمل وفقا لما يرونه، وفريق ثان يرى أن الثورة لم تحقق أهدافها، وأن الثوار يجب أن يستمروا فى ثورتهم حتى تتحقق كل أهدافها، وفريق ثالث يرى أن الثورة قد حققت أهدافهم وأن على الثوار أن يهدأوا حتى يتمكن هذا الفريق من حصد ثمار الثورة. هذه الحقيقة تعنى أن الموقف جد عصيب، وأن إشعال الفتيل سهل.
الفتيل سبق أن اشتعل فى ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء بيد من أطلق عليهم «الطرف الخفى» أو الأيادى الخفية، وتعددت التفسيرات لهذا الطرف الخفى ما بين مؤامرات الخارج وفلول الداخل، بل تسربت أنباء عن ضلوع بعض الشخصيات فى تمويل هذه الأحداث دون تسميتها.
المشكلة أننا لم نحاول التعمق فى تحليل الأحداث، ولم نحاول التعلم من الدروس الثلاثة ومارسنا النمط الإدارى ذاته، الذى يكتفى دائما بتبرير الفشل على أنه ظاهرة أو حدث نتج عن ظروف قهرية لم ولا يمكن مواجهتها كأنها القضاء والقدر، وبطريقة التفكير ذاتها التى عشنا نفسر بها كل الأحداث الجسام التى مرت بها مصر، كحريق قطار الصعيد وغرق العبارات وحوادث السيول التى تتكرر كل عام فى سيناء أو قرى الصعيد.
فى الأحداث الثلاثة السابقة عشنا مع نمط إدارى متكرر من نفى كل الوقائع كأنها لم تكن، علما بأن هذا النفى كان ينتج دائما رد فعل سلبياً. كررنا بأسلوب نمطى عدم استخدام القوة أو العنف بالرغم من سقوط الضحايا، ثم أكدنا أن وراء الأحداث «طرفاً ثالثاً خفياً» وأشرنا بأصابعنا إلى بلطجية من نوع غريب: من مات منهم فهو شهيد، ومن عاش منهم فهو مجرم يستحق المحاكمة.
فى كل مرة لم نعترف بوجود الخطأ إلا بعد حين، وفى كل مرة اكتفينا بمقولة إننا كنا نعرف ما يدبر لكننا لم نحدد من هم المدبرون، وتناسينا أن حالة الشك الزائد بين الأطراف الثلاثة لا يمكن التعامل معها إلا من خلال الحقائق الكاملة والسرعة فى كشف الحقيقة والاعتراف بوجود أخطاء على المستوى الميدانى وإحالة المخطئين إلى جهات تحقيق تتعامل بسرعة وشفافية.
واليوم، ونحن نقترب من يوم يفترض أن يكون يوم «فرحة كبرى»، فإنه من غير المقبول انتظار الحدث أو التخويف من الحرق، علينا كمجلس عسكرى وحكومة وبرلمان - حتى ولو كان غير مكتمل - وإعلام أن نتحرك ونتفاعل مع الموقف وأن نطمئن الشعب بدلا من تخويفه، خصوصا أن ٢٥ يناير سيأتى بعد أول اجتماع لمجلس شعب الثورة وقرب الانتهاء من محاكمة الرئيس.. وعلى بعد شهور قليلة من الانتقال إلى سلطة مدنية.. نريد أن نحتفل بالثورة لا أن نحرق الثورة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ