السبت، 14 يناير 2012

٢٥ يناير.. الشعب.. الحكومة.. الجيش بقلم د. رفعت السعيد ١٤/ ١/ ٢٠١٢


كثيراً ما يبدأ الإنسان الكتابة عن موضوع مهم بل شديد الأهمية، ولأن المساحة تضيق عن الفكرة، يقرر تقديمها فى عدة حلقات، وكثيراً أيضاً ما تقفز مسألة أخرى مهمة تقطع عليك ممكنات استمرارك فى الكتابة عنه، ولهذا أستأذن القارئ فى إقحام هذا المقال مع وعد بالاستمرار فى موضوع الخلافة، ونبدأ:
الشعب ليس هو فقط وعلى الدوام صاحب السلطة والسلطان، لكنه المالك الحصرى لما حققناه من ثورة ٢٥ يناير، وبالطبع كان فى طليعته، ولم يزل كتيبة من الشباب الثورى قدموا لمصر ولغيرها من البلاد نموذجاً ملهماً ورائعاً فى الوعى والقدرة على التفانى فى سبيل الثورة، التى قامت معلنة شعارات ومواقف ومطالب محددة: حرية، ديمقراطية، ليبرالية، كرامة، عدالة اجتماعية، وحدة وطنية...إلخ
 ثم انحنت الثورة لتقع فى أيدٍ أخرى، وتسيد المشهد السياسى والإعلامى أشخاص لم يخفوا عداءهم ورفضهم، بل تكفيرهم للمفردات التى تحققت الثورة فى إطارها ومن أجلها. أما الشباب صانع الثورة فقد أُطفئت الأنوار عنه أشخاصاً ومواقف، وكان التعجل المدبر عن عمد متعمد عبر التعديلات الدستورية مقصوداً منه إزاحة الشباب عن إمكانية الوصول للبرلمان. فلا الوقت، ولا المال، ولا القدرة العملية فى تجاوز عقبات غرست فى طريق تأسيس أحزاب شبابية أتاحت الفرصة لوجود حقيقى لهم فى البرلمان المقبل، وهكذا وجد الثوار ثورتهم وهى تستلب منهم، وشعاراتها تدان بل تتهم بالكفر، ومقعد البرلمان يحتكره خصوم شعارات الثورة سواء بسبب من الثياب الدينية أو بسبب الملايين التى تبارى الإخوان والسلفيون والفلول فى إنفاقها على ناخبين لا يملكون لقمة الخبز، ومن ثم لا يملكون حق الاختيار، ويكون طبيعياً تصاعد رفضهم لما يجرى، خاصة، ونقول:
يا ضيعة الحر إذ غابت مخالبه
وإذ أتى اللص والحراس ما حضروا
أما عن الأحوال المعيشية فهى تتردى بصورة غير مسبوقة يضاعفها انحياز حكومى واضح ومسبق للفئات الأغنى، ومن ثم تتفجر مطالبات يومية بخبز للأطفال، وهى مطالبات تحمل فى طياتها احتمالات شديدة الخطر.
الحكومة وهى غير قادرة أو غير راغبة فى تحقيق المطالب الملحة للفئات الفقيرة، التى تتمدد لتصعد من قاع المجتمع، حيث الفقر المدقع إلى شرائح من الطبقة الوسطى فيعيش المجتمع فى أغلبه حالة من الرفض لما يجرى تنعكس فى إضرابات واعتصامات.
ويقتادنا هذا الوضع إلى دوامة خطرة.. الإنتاج يتناقص والاستثمار يهرب والسياحة تنهار والمطالبات تتزايد، وفكرة تصويب الأوضاع الاجتماعية غير مقبولة من الحكومة، التى تتصرف وكـأنها باقية لسنوات عديدة فتمطر المواطنين بوعود لا يمكن تحقيقها فى فترة انتقالية محددة، وهنا يظل التساؤل ملحاً: هل ثمة اتفاق على ذلك بين القوى التى حازت أغلبية البرلمان وبين من يملك الأمر مقابل استمرار الحكومة الحالية لفترة أطول بحيث تتقدم الحكومة للبرلمان طالبة ثقتها فيمنحها لها متأففاً؟
ويرتبط بالأداء الحكومى الوضع الأمنى المتردى، الذى رغم التحسن الظاهرى يبقى معرقلاً للإنتاج وللطمأنينة اللازمة لأى استقرار اقتصادى أو اجتماعى أو سياسى، ورغم ما تبديه من حراك فإنه فى الواقع «محلك سر».
الجيش أعترف بأنه شريك أساسى فى صناعة الثورة، وهو الذى حماها منذ الساعات الأولى لنزوله إلى الشارع، ولنا فقط أن نسأل ماذا لو أنه اتخذ موقفاً موالياً للمعزول؟ أو ماذا لو أن مؤامرات أعوان المعزول قد انتصرت، وحاكموا هؤلاء القادة العسكريين بتهمة الخيانة؟ لكن الجيش يخطئ، ولعل خطأه الأول هو الأفدح إذ أتى بلجنة تعديلات الدستور بمذاق معين، فأعدت التعديلات لتحقق، وعن عمد، ما نحن فيه من ارتباك خانق، وبهذا وجد المجلس العسكرى نفسه بين شقى الرحى. الليبراليون ودعاة الدولة المدنية وشباب الثورة أدركوا فداحة هذا الخطأ فغضبوا، بينما الذين وضعت كل الترتيبات لحسابهم استشعروا قوة وقدرة فتململوا من بقاء العسكر، ولعله من حقى أن أقول إنه قد يكون محتملاً أن ما يرفع من شعارات لا يستحق المجلس العسكرى أن يقذف بها وهو يتحملها فى صبر، يستثير غضب ضباط من الشرائح الوسطى، والذين يعتبرون، ولهم الحق، أن الجيش يجب أن ينال القدر الكافى من الاحترام.
ونعود لنتأمل كل ما سبق.. شعب غاضب يرفض السياسات القائمة، ويلح فى طلب الخبز والأمن، وحكومة عاجزة تماماً عن إرضاء الجماهير، أو توفير الأمن الحقيقى، فالبوليس فى كل خطوة له يتعين أن يصطحب رجال الجيش معه ليحتمى بهم، ولهذا الاصطحاب دلالات خطيرة إذ يعنى أنه لا يمكن الاستغناء عن الجيش مؤقتاً، لكن إلى متى؟ لا يفصحون، والبرلمان القادم ستحتاج أغلبيته إلى أمد كى تستقر وتعتاد وتتوازن بين أفكارها المسبقة وما يمليه عليها واجبها فى إصدار قرارات وتشريعات على مقاس الوطن، وليس على مقاسهم، أو مقاس شركائهم من السلفيين. فكيف؟
وفى ظل ذلك تتمرد قطاعات من الشعب بصورة لم تألفها مصر.. فعقب حادث سيارة يقطع المواطنون الطريق وشريط السكة الحديد، ومن يفشل فى الانتخابات يهاجم مقر المحكمة بالسلاح، ومن لا يجد مالاً يخطف طفلاً أو رجل أعمال، ولا أحد يطبق القانون، والبوليس يحتاج إلى الجيش ليحميه..
والدعاوى تتصاعد بسرعة تنحى الجيش، والسؤال يتنحى إلى أين؟ الثكنات أم البيوت؟ وإن تنحى فبمن يحتمى البوليس إذا أراد القبض على مجرم؟ فهل من حل لكل هذه الألغاز؟ وهل هى وليدة أخطاء من البعض، أم ترتيبات من البعض؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ