الأحد، 1 يناير 2012

بابا نويل والبلطجية



  بقلم   د.سحر الموجى    ١/ ١/ ٢٠١٢
قابلته قبل منتصف ليلة أمس فى ميدان التحرير. رأيته فجأة جالسا إلى يسارى على الرصيف بجسده الضخم وذقنه البيضاء الطويلة ونظارة شمسية. أخبرنى أنه بابا نويل، وأنه لم يأت مصر منذ ديسمبر الماضى. «أعرف طبعا الحدث الأساسى لعام ٢٠١١. لقد قمتم بثورة يتحاكى عنها العالم.
لكننى جئت كى أسمع منكم كيف ترون هذا العام». قلت له: من الصعب أن ألخص أهم أعوام حياتى، فبعد أن عشنا كل السنوات الماضية فى موات، لا شىء يحدث، ولو حدث شىء فهو كارثة تذهب فيها أرواح المصريين، فجأة يأتى كل يوم بجديد. قال: لا تلخصى. فقط انتقى ما ترينه الأهم. قلت: لقد أتى شلى ٢٠١١ بوطنى، عاد إلىّ كاملا بهيا، بل هو أجمل وأبهى من أقصى خيالاتى. الناس هم الحدث الأبرز للعام. أتعرف ما هى السوءة الكبرى لنظام المخلوع؟ إنه قد جعلنا نكره أنفسنا.
ثم جاءت الثورة. كيف أحكى لك عن بهاء البشر؟ عن الشجاعة والقوة والإصرار فى أيام الثورة الثمانية عشرة وحتى اليوم! لقد أذهلنا أنفسنا. كأننا أفقنا من سباتنا وقد فهمنا معدننا الحقيقى. وقفنا فى الشوارع والميادين نصرخ من أجل الحرية والكرامة ومات شهداء لنا ولم نخف. بل أكملنا.
قال: تبدين سعيدة جدا. عيناك تلتمعان بالفرحة. ضحكت عاليا: أتعرف أن هذا العام جعلنا نكتشف كنزا استراتيجيا هائلا فى مصر. إنهم البلطجية يا عزيزي. ولدينا منهم أشكال وألوان. هناك بلطجية بمؤهلات عليا: أطباء ومهندسون وفنانون وكتاب وشيوخ أزهر وطلبة متفوقون وأساتذة جامعات. لدينا كذلك بلطجية من أطفال الشوارع. أما الفرع المتميز فهو البلطجية الشهداء، هؤلاء الذين ماتوا بطلق الرصاص وهرس المدرعات وألسنة المرتزقة والمغيبين. البلطجية الشهداء، بعد أن يموتوا، يحاكمون بتهمة محاولة قلب نظام الحكم وهدم الدولة وبيعها قطاعى فى سوق الكانتو. كما أن لدينا وحصريا الفرع الحريمى الجديد، فهؤلاء النساء أقوى من سانجام وأشرس من أمازونات الغابات. إنهن يبطحن أدمغتهن ويكهربن أنفسهن ثم يرمين بأجسادهن وسط الجنود بعد خلع ملابسهن فى عرض الشارع فى محاولة لإلهاء العسكر عن مهمة حماية شرف مصر.
كانت ابتسامتى قد راحت واختنق صوتى بالدموع. لم أدر إلا وكفه الكبيرة تتجه إلى وجهى تتحسس موقع الدموع وتمسحها. لحظتها أدركت أن بابا نويل فاقد للبصر. أزحت برفق كف يده وأنا أردد: أنا آسفة أنى بكيت. لكنك لابد أن تعرف أن هذا الغضب الذى يعتمل داخلنا هو وقود استمرار الثورة فى العام الجديد. فليقتلوا كما شاؤوا، فليسحلوا ويعذبوا ويمنحوا القتلة البراءة، لقد عادت مصر إلينا وهيهات أن ينتصر القبح والعبودية والمصالح الغبية الضيقة. النصر لنا.
ثم التفت إليه متسائلة: أين هديتى للعام الجديد؟ قهقه عاليا وهو يقول: لقد أفلست منذ زمن طويل يا ابنتى. لذا تأتينى ألملم حكايات آخذها لأطفال العالم. ومعظم حكايات هذا العام تأينى منكم أيها المصريون. يا لكم من شعب عجوز حكيم عنيد!
وعندما قام مستندا على عصاه وتركنى، كانت الساعة تدق الثانية عشرة، وقد عادت الدموع تنهمر ساخنة على وجنتى وأنا أدرك أن هديته قد وصلتنى: أول حرف فى أول كلمة فى أول جملة فى ٢٠١٢ عن ثورة مازلنا نكتب صفحاتها، والتى سنكتب نهايتها بأيدينا، نحن البلطجية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ