١/ ١/ ٢٠١٢
عام
يوشك أن ينقضى على فورة الميدان، تحول خلالها فى عيون البعض من أيقونة
للفخر إلى مصدر للألم والمنغصات، وبعد أن كان الميدان - وعاء الثورة ورحمها
- هو وحده من يمنح الشرعية لمن يُمسك بزمام السلطة، تحول على يد بعض من
منحهم شرعيته إلى فاقد لها. استمد الميدان شرعيته من ٣ مصادر هى إسقاطه نظام مبارك، وطموحه المتصل للارتقاء بالوطن، وقدرته الفائقة على التعبير عن المطالب الأصيلة للجماهير، وحين تماسكت بقايا نظام مبارك، وانخفض سقف آمال المصريين فى ثورتهم إلى حد الاكتفاء فقط باستعادة الأمن على الأرواح والممتلكات، بعد أن عاث البلطجية فسادًا فى البلاد، أصبح الميدان منفصلاً عن الجماهير، لكنه ظل محتفظًا بشرعية كونه ضمير الوطن، وصوت ثورته الأصيل. احتفظت شعارات الميدان وهتافاته ولافتاته وكاريكاتيراته وخطبه وقصائده بمكانتها كأدوات للتعبير عن نبضه ومعانيه، لكن بهجة الأعلام المرفرفة، وروح الفكاهة الساخرة كانت تتسرب منه، كلما بدا حلم تحقيق أهداف الثورة بعيد المنال، خاصة بعد أن تجدد سفك دماء شبابه، رغم تغير شارة من يُلقى أوامر القتل، ومن يضغط الزناد. حافظ خطاب ميدان التحرير - كما تجلى فى موجته الثانية نوفمبر الماضى - على ثوابته كخطاب ثورى، لا يفاوض ولا يساوم ولا يقبل أنصاف الحلول، هذه الحدية التى كانت مصدر قوته فى الماضى، بدت مصدر ضعفه فى الوقت الراهن، لأنها تضعه فى مواجهة خطاب التهدئة والحلول الوسط، الذى تزداد شعبيته يومًا بعد يوم، كما بدا خطاب الثوار، فى بعض الأحيان، عاجزاً عن التعامل مع حقيقة تغير موازين القوى على أرض الواقع لغير صالحه. نالت الهجمة الإعلامية الأخيرة على ميدان التحرير من الرأسمال الرمزى لخطاب الثورة والثوار، فقد شوه الإعلام الحكومى فعل الاحتجاج، من خلال ربطه بالتدمير والتخريب، وشوه الثوار بواسطة تصويرهم على أنهم بلطجية، ولم ينج ميدان التحرير ذاته - بوصفه مكاناً - من التشويه بواسطة إلصاقه بسيناريوهات الفوضى والخراب، واستخدم الإعلام فى هذه الهجمة كل الأساليب المتاحة للتشويه، بداية من تقديم صور داكنة لمتظاهرى التحرير، فى مقابل صور زاهية لتجمعات العباسية، وانتهاءً بعرض صور مفبركة لمتهمين جنائيين، وتقديمهم على أنهم من شباب الميدان، مرورًا بتصوير أطفال الشوارع فى بعض المناطق الشعبية، وعرضها على الشاشة على أنها ملتقطة من قلب ميدان التحرير، والآن بدا بعيدًا ذلك الزمن الذى كان يدرك فيه المواطن العادى المحتجين بوصفهم ثوارًا، حين كان ميدان التحرير قبلة يحج إليها المتشوقون للعزة والكرامة. على الرغم من نجاح حملات تشويه خطاب التحرير فى إفقاده الشرعية التى يمنحها له تأييد الجماهير، فإن هذا الخطاب سوف يستمر فى الوجود والتأثير، يرجع ذلك إلى أن خطاب التحرير، ربما كان الأكثر تعبيرًا عن المصالح الحقيقية للمصريين، فهو خطاب غير نفعى، لا يسعى لتحقيق مصالح تخص منتجيه، وهو ما يمكنه أيضاً من مقاومة محاولات تشويهه على المدى البعيد. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق