الاثنين، 9 يناير 2012

عطش السنين..! بقلم مجدى الجلاد ٩/ ١/ ٢٠١٢


كان بذرة بلا ملامح.. ثم تحول إلى كائن حى.. حتى لو اعتبره البعض مشوهاً.. ولكنه مجلس الشعب المصرى.. أى أن المصريين هم الذين اختاروه.. وعلى الجميع أن يحترموا إرادة المواطنين، حتى لو اختلفوا معها..!
فاز تيار الإسلام السياسى بالأغلبية، وبات علينا التعاون مع البرلمان لإنقاذ مصر من الانهيار، ثم البدء فى مرحلة البناء.. ليس هذا وقت الخلافات والانشقاقات وتصفية الحسابات.. وليس وقت عرقلة جهود هذا التيار لإثبات فشله..
 فنجاح الثورة لا يقاس بالإطاحة بالنظام الحاكم فحسب، وإنما الأهم مدى قدرتها على تغيير قواعد اللعبة السياسية.. فى الماضى كان كل طرف يلعب لمصلحته الشخصية.. واليوم ينبغى أن تعلو مصلحة مصر فوق أطماع السياسيين.. لأن البديل المر سيجرنا إلى خناقة دائمة تحت القبة، وفوضى وسقوط فى الشارع!
غير أننى أجد نفسى مدفوعاً إلى تقديم النصح لـ«الإخوان المسلمين» و«السلفيين» الذين حصدوا نحو ٧٠٪ من مقاعد مجلس الشعب.. ربما يتبرم بعضهم، اعتراضاً على كلمة «النصح».. ولكن ليأخذوها كما هى من مواطن يعشق بلده ويخاف عليه..
 وقد أذكرهم بها يوماً ما.. إما خيراً برفع القبعة لما أنجزوه لمصر.. أو لوماً عنيفاً لما فعلوا بنا.. ومادمنا نتحدث عن هذا التيار الصاعد، والقادم من الخطوط الخلفية، ومساحات القهر والقمع والملاحقة، فلابد أن نلقى نظرة تحليلية للتركيبة السيكولوجية للأفراد والقيادات والنواب.. لعلنا نفيد ونستفيد..!
مبدئياً.. لابد على أن نتفق أن تيار الإسلام السياسى - وتحديداً الإخوان المسلمين - يحملون بداخلهم حرماناً وعطشاً للسلطة والحكم.. فعلى مدى أكثر من ٨٠ عاماً عانى الإخوان من الملاحقة والإقصاء، ولحق بهم السلفيون الذين عاشوا فى السجون والمعتقلات أكثر من بيوتهم.. كانوا جميعاً يحلمون بهذا اليوم.. وقد أتى.. ربما لم يأتِ بأيديهم، وإنما منحهم شباب الثورة فرصة تاريخية للوصول، أو المشاركة - على أقل تقدير
 - فى الحكم وإدارة البلاد.. لا فرق.. المهم أنهم، وفى ظل حرمان السنين، لن يخرجوا عن حالة من اثنتين: إما أن يمثل الحرمان والعطش والإحساس بالظلم حافزاً قوياً لإثبات أنهم الأصلح والأحق والأجدر.. وفى هذا فائدة كبيرة للوطن، لأنهم سيعملون على احتواء القوى السياسية الأخرى وراء أهداف البناء والتنمية.. وإما أن يتحول الحرمان إلى عقدة ورغبة جامحة فى الاستقواء والانتقام والاستحواذ.. وفى ذلك كارثة على بلد منهك، ونهاية حتمية للتيار كله..!
يخطئ التيار السلفى تحديداً، إذا أوهم نفسه أنه أتى إلى البرلمان بتكليف إلهى.. ويخطئ أكثر إذا تصور أن فرض مظهر محدد للحياة أهم من توفير متطلبات الحياة.. وأنه سيرضى الله عز وجل بالحجاب أو النقاب أكثر من توفير فرصة عمل لعاطل،
 أو كفاية الفقراء عذاب الجوع والفقر وذل السؤال والعوز.. طريقة إرضاء الله فى المسجد تختلف عن إرضائه سبحانه وتعالى فى البرلمان ومقاعد الحكم.. وحين تصبح مصر دولة قوية وحديثة لن يفرق مع الناس ماذا يرتدون.. وعندما يقتنع المرء بصواب النظرية والمبادئ، سيطبق بنفسه التفاصيل..!
شخصياً.. لن أجد غضاضة فى العمل مع أغلبية وبرلمان اختاره الشعب الذى أنتمى إليه.. ولكن من المهم أن أدرك - مثل الجميع - أن هذا التيار لا ينفى الآخر، ولا يتخذه عدواً لأنه مختلف سياسياً وليس دينياً.. والأهم ألا يعتقد التيار الإسلامى أنه جاء على أجنحة الثورة لتدفع مصر كلها ثمن سنوات القهر والحرمان.. وعطش السنين!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ