الجمعة، 6 يناير 2012

الحوار بالضربة القاضية


  بقلم   سحر الجعارة    ٦/ ١/ ٢٠١٢
لم تكن «مناظرة» أو حتى مشاجرة، تلك التى انتهت بعبارات أكثرها تهذيبا: (يا واطى.. يا جاهل)!. لقد انتظرت مشاهدة مناظرة فكرية بين الشيخ «خالد الجندى» والدكتور «سيد القمنى» الذى تحداه فى مجلة «الإذاعة والتليفزيون». وما أعرفه أن المناظرات تكون «منازلة فكرية» وليست عفوا (وصلة ردح)، أو مواجهة كل طرف للآخر بما ارتكبه فى حقه من سباب وشتائم، أو تسخيف لآرائه وأفكاره (!!).
ما يسمى مناظرة بدأت بمجاملة تصل إلى حد النفاق بين الطرفين، ثم بدأت اللكمات التى أصابت المشاهد، فالدكتور «القمنى» فى معرض دفاعه عن نفسه (وهو موقف كان يجب ألا يتخذه أصلا)، قال إنه (لا يعترف بالمشايخ ولا بالأزهر ولا بدار الإفتاء).. وأضاف بأن «صلاح الدين الأيوبى» قتل من المصريين أكثر مما قتل من الصليبيين، وأن ما فعله «عمرو بن العاص» غزو وليس فتحاً إسلاميا!!..
وكأنه يقدم أدلة الإدانة على طبق من فضة لخصوم الليبرالية!. التقط الشيخ «خالد» طرف الخيط واتهمه بازدراء الدين الإسلامى والمسيحى أيضاً بسب السيدة «العذراء» فى أحد كتبه!. وقال «الجندى» إن «القمنى» سبق أن تاب عن أفكاره، وإن شهادة الدكتوراة الخاصة به مزورة. وبعد أن تبادلا الاتهامات حول الذمة المالية لكليهما، ومن (يقبض) كى يقول كلمته وينشر أفكاره، عرضت قناة «أزهرى» مقابلة سريعة للدكتور «القمنى» يقول خلالها إن الجزء الخاص بالعبادات فى القرآن الكريم غير قابل للتغير فى أى زمان ومكان، أما الجزء الخاص بالمعاملات فهو متغير.. وضرب مثلا بـ٢٣ آية فى القرآن الكريم تتعلق بملك اليمين ونكاح السبايا والإماء، وأضاف الدكتور «سيد» متسائلاً: (هل من حق المواطن الغلبان أن يطلب سكر مدعوم ومعه عدد ٣ نسوان)!!.
علامات التعجب ليست على كلام «القمنى» فحسب بل على الموقف بأكمله. بداية أنا أتحفظ على «المناظرة» نفسها، أتحفظ على لهجة التهكم والسخرية التى مارسها كل الأطراف بمن فيهم المهندس «فاضل سليمان» الذى كان يدير الحوار. لقد بدأ «القمنى» اللقاء واصفا «الجندى» بأنه (صورة مشرقة للإسلام) وأنهاه بعبارة (بطل عبط وبلاش قلة أدب).. فكان لابد أن ينتهى الحوار فى قسم الشرطة!. لا أدرى لماذا تكتب بعض المواقع الإلكترونية أن «الجندى» ضرب «القمنى» رغم أن الدكتور «سيد» لم يتهم إلا المهندس «فاضل» بالتعدى عليه!!.
 لكن الجريمة ـ فى رأيى ـ ليست فى الضرب ـ إن وقع ـ بل فيما فعله ضيوف الحلقة بعد مغادرة «القمنى» الاستوديو. لقد جمعوا كل الأدلة التى تكفر «القمنى» وتقريبا أحلوا دمه لأى متعصب دينيا!. لم يخرج الدكتور «القمنى» منتصرا كما يتصور البعض، فالانتصار الحقيقى كان فى تقديم الحجج المنطقية لأفكاره. لقد خرج «القمنى» ليواجه خطر «إهدار دمه» وهو ما يستلزم وضع حراسة أمنية مشددة عليه. لا أحد منا يدرى حقيقة ما دار فى الاستوديو، والأمر كله الآن بين يدى النيابة.. لكن جميع الأطراف خرجت خاسرة من تلك المناظرة: الشيخ تعرض للقذف العلنى، والمُحاور نال نصيبه من الشتائم، والضيف أمضى ليلته بين المستشفى وقسم الشرطة.. أما المشاهد فقد تأكد أننا لا نجيد إلا الحوار بالعضلات.. ونفوز بالضربة القاضية إما على الهواء أو فى الكواليس!!. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ