الجمعة، 6 يناير 2012

من «وول ستريت» إلى «ميدان التحرير»


  بقلم   جيهان أبوزيد    ٧/ ١/ ٢٠١٢
إنه صندوق صغير أخضر اللون وصلنى أول يوم فى العام الجديد ملىء بقطع صوفية شغلتها أيدى نساء ورجال يسكنون فى الجهة الأخرى من العالم، لكنهم عرفوا أحمد حرارة ورانيا فؤاد، ومثلهما آلاف لم يبخلوا بأجسادهم وأرواحهم، صندوق صغير أخضر ملىء بالحب والاحترام مرسل مع الشكر والامتنان إلى شباب ميدان التحرير، وكل الميادين المصرية فى المحافظات المختلفة. صندوق صغير امتلأ عن آخره بجهد عشرات الساعات لبشر لم نلقهم وربما لن نلقاهم أبداً، لكنهم لم يجدوا وسيلة تعبر عن تضامنهم وتقديرهم سوى شغل وإرسال قطع صوفية لشابات وشباب التحرير، بعثوا بأغطية رأس ورقبة تقيهم من البرد ومن الإحباط، وتذكرهم أن هناك أناساً يعرفون قدرهم.
كانت الجملة الأولى فى الرسالة «شكرا لكم لقد ألهمتم العالم»، لقد سمحتم لمارد الشجاعة بأن يخرج منا لنقاوم ظلم مؤسسات الاقتصاد الدولية، لنقول «لا» احتجاجاً على السياسات المالية، لنرفض جشع الرأسماليين وسلطتهم فى الدولة، ولنوقف اختلاط المال بالسلطة، وتمويل الشركات الكبرى للحملات الانتخابية. إن ما أنجزتموه فى مصر وتونس وليبيا لإسقاط الأنظمة السياسية الفاسدة، كان الوقود الحى لنا لنعمل على إسقاط الأنظمة الاقتصادية الفاسدة والظالمة، التى لا تعمل إلا لصالح الأثرياء.
بُعثت فكرة التضامن عبر شَغل قطع صوفية للثوار عقب اندلاع مظاهرات «احتلوا وول ستريت»، التى خرجت فى سبتمبر ٢٠١١ متجهة إلى شارع وول ستريت بمدينة نيويورك الأمريكية. واستلهاماً من ثورتى مصر وتونس، بدأ منظمو مظاهرات «احتلوا وول ستريت» قبل أيام من هذا التاريخ الدعوة إلى التظاهر فى جميع مدن العالم وعواصمه، وذلك بعد أن أصدروا بياناً طالبوا فيه بانتفاض الشعوب ضد الحكومات ورؤوس المال والاقتصاد، لأنهم «لا يمثلونهم»، وضمن دعوتهم هذه وضعوا قائمة تضم ٩٥٠ مدينة فى ٨٢ دولة حول العالم كمواقع مقترحة للتظاهر، وبالفعل عندما جاء الموعد المقرر فى الخامس عشر من أكتوبر عمَّت المظاهرات قرابة ١٥٠٠ مدينة فى مختلف أنحاء العالم، جاءت المظاهرات هدية من العولمة إلى الشعوب التى أفقرتها العولمة، فانتفضت الشعوب فى الولايات المتحدة وفى أوروبا وفى آسيا حتى طالت اليابان وهونج كونج بالصين وصولاً إلى جنوب أفريقيا.
وبينما شارك الملايين فى أنحاء العالم فى تلك المظاهرات، قررت مجموعة من النساء والرجال أن تشارك بطريقة أخرى، اشتروا خيوط الصوف والإبر، وبدأوا فى شغل أغطية للرؤوس لتحمى المتظاهرين من البرد. بعد أسبوع من العمل وحين امتلأ الصندوق الأول، أرسلوه إلى شباب «وول ستريت» فى نيويورك، انضم متطوعون جدد، فامتلأ الصندوق الجديد بسرعة أكبر وأُرسل إلى متظاهرى واشنطن، ثم ثالث للقابعين رغم البرد فى قلب شيكاغو، ورابع لمن جلسوا فى حى المال البريطانى، واحتشدوا فى «سيتى أوف لندن»، وفى اليابان ارتدى المتظاهرون من محافظة فوكوشيما أغطية الرؤوس المرسلة إليهم أثناء تظاهرهم أمام وزارة الاقتصاد والتجارة مرددين هتافات مناهضة لأسلوب الوزارة فى التعامل مع أزمة تسرب الوقود النووى، مطالبين بالوقف الفورى لجميع المحطات النووية، والبحث عن حلول أخرى للطاقة، وقبل نهاية العام أرسل صندوق إلى متظاهرى تونس وآخر إلى اليمن، لكنهم قرروا أن صندوق العام الجديد ذلك الذى وصل صبيحة يوم الأول من يناير سيكون إلى شباب ميدان التحرير فى مصر، وصل الصندوق مذيلاً بالشكر وعوضاً عن التوقيع كتبوا «استمروا».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ