السبت، 7 يناير 2012

شبكة المدافعين عن حرية الإبداع


  بقلم   صلاح عيسى    ٧/ ١/ ٢٠١٢

لا أتذكر عدد المرات التى أقسمت فيها ألا أهتم بمبادرات العمل الجمعى بين المثقفين والمبدعين، فلا أشترك فى توجيه ـ أو تلبية ـ الدعوة إليها، ولا أشغل نفسى بما يجرى بشأنها من مشاورات، ولا أستمع إلى ما يدور حولها من مناقشات، ولا آخذ شيئاً مما ينشر عنها مأخذ الجد، يدفعنى للكتابة، أو حتى مجرد القراءة عنه.
أما السبب فلأننى أنفقت أوقاتاً طويلة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، أحاول أن أثير حماس جماعة المثقفين للعمل المشترك من أجل صد الغارة على الثقافة، التى انطلقت فى عهد الرئيس الراحل «أنور السادات»، ونظرت إلى المثقفين باعتبارهم أفنديات لا يعرفون شيئاً عن أخلاق القرية، وكتاب سخائم وعرائض ورزالات. ومع أنهم على صعيد الأفراد والجماعات الصغيرة، قاموا بالفعل بأدوار مهمة فى مقاومة هذه الغارة، إلا أن كل المحاولات التى جرت لتطوير هذا العمل ليكون أوسع نطاقاً وأكثر احتشاداً، وأوفر تنظيماً، سرعان ما اصطدمت بعيب شائع بين جماعة المثقفين المصريين والعرب، بل بين العرب عموماً، مثقفين وغير مثقفين، وهو العزوف ـ أو العجز ـ عن العمل الجمعى المشترك والمنظم، مع أن هذا النوع من العمل، هو سمة المجتمعات المدنية الصناعية المتقدمة وهو الأكثر تأثيراً ودواماً، بينما العمل الفردى أو على شكل جماعات صغيرة متناثرة، هو سمة الجماعات الريفية الزراعية المتخلفة، وهو الأقل تأثيراً والأكثر ارتجالاً والأقصر عمراً.
 ولأننى أعجز كثيراً عن الالتزام بهذا القسم فإننى لم أستطع إلا أن أحنث به، بعد أن تجمعت خلال الأسبوعين الأخيرين، ملامح ثلاث مبادرات على الأقل تدعو المثقفين إلى العمل المشترك من أجل الدفاع عن حرية الإبداع الأدبى والفنى فى مواجهة احتمالات المستقبل.. يتبنى المبادرة الأولى المخرج السينمائى «داوود عبدالسيد» والمنتج «محمد العدل» والفنانتان «ليلى علوى وإسعاد يونس»، وترفع شعار التصدى لفرض النظرة الواحدة المتزمتة على الإبداع السينمائى. وتبنى المبادرة الثانية المخرج «خالد يوسف»، داعياً إلى تأسيس منبر يضم المبدعين المصريين فى كل المجالات الأدبية والفنية، ويكون حائط صد أخيراً ضد تقييد حرية الإبداع..
بينما أطلق «أتيليه القاهرة» برئاسة الفنان «محمد عبلة» المبادرة الثالثة بالدعوة لتشكيل «الجبهة المصرية للدفاع عن حرية الفكر والإبداع» تتكون من أعضاء الأتيليه. ولاشك أن المبادرات الثلاث قد انطلقت من مناخ القلق الذى يسود جماعة المثقفين والفنانين المصريين ضمن جماعات أخرى غيرها، من الزحف السريع للتيارات الداعية لإقامة دولة دينية، على السلطة، فى الوقت الذى يتسم فيه موقف بعضها ـ مثل جماعة الإخوان المسلمين ـ من قضايا حريات الإبداع، وغيرها من الحريات، بغموض متعمد يصعب معه الاطمئنان إلى أن الحد الأدنى من حرية الإبداع، الذى حققه المبدعون المصريون، بنضالهم وتضحياتهم فى ظل الدولة المدنية وفى أكثر عهودها استبداداً، سيظل مضموناً، بينما أكدت تصريحات بعض أقطاب التيار الأكثر تشدداً من هذه التيارات، وهم السلفيون، أن الخطر ماثل، وأن النطع والسياف ينتظران، وأن على الجميع أن يستعدوا لدخول «مدرسة ثكلتك أمك الابتدائية» فى الإبداعين الأدبى والفنى!
تلك مبادرات تستجيب بلا شك، لاحتياج موضوعى فى الواقع، لكن ذلك لا يكفى وحده لكى يضمن لها تحقيق أهدافها أو حتى مجرد البقاء ـ لوقت ملحوظ ـ على قيد الحياة، إذ هى تحتاج إلى عمل دؤوب ومتواصل، حتى لا تبدو ككثير من مبادرات المثقفين مجرد رد فعل انفعالى على حدث أو تصريح، يتخفف أصحابه من انفعالهم ببيان أو خطاب أو مبادرة، ثم يعود كل منهم إلى بيته ليشد اللحاف وينام. وفى هذا السياق، أطرح الأسئلة الجوهرية التالية التى أتمنى أن يشترك الجميع فى البحث عن إجابة لها.. والأسئلة هى:
■ ما الشكل التنظيمى الذى ستأخذه الجبهة المقترح إنشاؤها للدفاع عن حرية الإبداع؟.. هل ستكون جمعية ثقافية تخضع للقانون ٨٤ لسنة ٢٠٠٢، الخاصة بالجمعيات الأهلية؟..
■ أليس فى الأخذ بهذا الشكل التنظيمى تكرار للعمل الذى تقوم به جمعيات عديدة تخضع لهذا القانون أو غيره من القوانين، ممن يدخل الدفاع عن حريات الإبداع ضمن أنشطتها.. ومنها على سبيل المثال منظمات حقوق الإنسان، التى تبذل نشاطاً واسعاً فى هذا المجال، وتتمتع بشبكة علاقات أهلية دولية مؤثرة فى هذا المجال.
■ ثم.. ما العلاقة بين هذه الجمعية والنقابات التى تضم المبدعين فى مجالات الأدب والفن ومنها اتحاد الكتاب ونقابات السينمائيين والممثلين والموسيقيين والفنانين التشكيليين والصحفيين وغيرها.. وهذه النقابات بحكم قوانينها هى المنوط بها الدفاع عن حق أعضائها فى حرية الإبداع، هل تنوب عنها الجمعية الجديدة فى القيام بهذا الدور، أم تقوم بأدوار أخرى لتحقيق الهدف نفسه.. وما هى؟
■ أليس من الأفضل أن تقوم المبادرات الثلاث الجديدة، على أساس تشكيل منظمة تقوم بعمل مختلف عن العمل الذى تقوم به المنظمات القائمة بالفعل، بما فى ذلك النقابات ذات الشأن، التنسيق بين هذه المنظمات بتأسيس شبكة المدافعين عن حرية الإبداع لتضم ممثلين مفوضين للنقابات المعنية والمنظمات التى تنشط فى المجال ذاته، لتخوض المعركة ضد الجراد الزاحف تحت شعار «ثكلتك خالتك».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ