الأحد، 1 يناير 2012

عام لم يبدأ


مقت المصريون عام ٢٠١١ رغم أنه غير حياتهم، لكنهم لايطمئنون للآتى فى ٢٠١٢. المقدمات تشى بالنتائج. الأعوام لا تبدأ حقاً فى ليالى رأس السنة.. تولد قبل ذلك بكثير.
بدأ ٢٠١١ بمأساة مدوية. إرهاب غاشم ضرب كنيسة القديسين فى الإسكندرية. السنة اختارت عنوانها، عام دماء واضطرابات وانقسام. لكن مضمون ٢٠١١ الإجمالى كان قد تم طبخه وإنضاجه خلال عامين سابقين إن لم يكن أكثر. ثغرات الشرطة التى عبر منها الإرهاب كانت قد اتسعت على الراتق.
مناخ التطرف الدينى الذى منح جريمه القديسين غطاءها لبّد سماء الإسكندرية ومصر كلها -قبل أعوام- بغيوم لم تتلاش إلى اليوم. من المؤلم أن الخطاب الدينى المتطرف الذى سبق جريمة القديسين وجد ممثلوه طريقهم بكثافة تاريخية إلى مقاعد مجلس الشعب قبل أن ينتهى العام الذى بدأ بالمأساة. فى بداية عام ٢٠١٢ مازال بعض المصريين يتناقشون: هل علينا أن نهنئ المسيحيين فى أعيادهم؟..
هذا يعنى ببساطة أن ٢٠١٢ لا يختلف أبداً عن ٢٠١١.. حتى لو مرت ليلة رأس السنة بلا دماء أو ضحايا. الخطورة لا تكمن فيمن سقطوا، وإنما كذلك فيمن قد يسقطون.
تغير نظام الحكم فى مصر يوم ١ يناير الماضى وليس يوم ١١ فبراير التالى. القنبلة - مجهولة النسب حتى اللحظة - تعلقت فى رقبة إدارة الحكم.. ليس لأنه كما تقول الشائعات فجرها بنفسه.. هذا احتمال مستبعد.. إنما لأن الجميع كان يتوقع المأساة ولم يحتط. الأهم أن القنبلة شطرت المصريين، وكانت مثل تلك الجرائم تجمعهم وتلم شملهم. حاول المصريون فى ٢٠١١ أن يتجاوزوا التفتيت الذى صنعته قنبلة القديسين. لصقوا أنفسهم ببعض المشاعر وشموع الأمانى. العُرى انفكت. القنبلة - عنوان السنة - ضربت ما بين الجميع. البلد معسكرات متخندقة، وإن تباسم أعضاء المعسكرات فوق موائد التلاقى للحظات أمام الكاميرات. القلق من الغد مترس كل طرف خلف ذاته. التفاؤل الذى صنعه التغيير ذابت قيمته فى وقت وجيز.. صرنا فرقاً وجماعات وتيارات. ليس هذا تنوعاً، بل تشرذم كامل الأوصاف. المشكلة لم تعد فيما بين الأطراف المختلفة. أصبحنا نتحدث عن المصريين كأطراف!
 المشكلة داخل كل مصرى فى حد ذاته. تخبط رهيب. تضربه تناقضات مهولة. المواطن موزع هو بشخصه نفسياً واجتماعياً وثقافياً ما بين معسكرات متناحرة. يقرأ آية القرآن (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) لكنه خائف. غير حكم بلده لكنه شخصياً لم يتغير. يثق ويفخر بجيش بلده إلا أنه يهاجمه. يريد أن يعيش متع الحياة المشروعة، لكنه أعطى صوته الانتخابى للتطرف الدينى. يريد أن يغتنى لكنه يصب حمم الغضب على الأغنياء. يريد الحرية لكن فى داخل كل مصرى ديكتاتور أصيل. سيكون ٢٠١٢ ابنا شرعيا لـ٢٠١١.
لا يحتاج الأمر لتبصر المنجمين ولا توقعات المحللين. السنة المنقضية لم تنته بعد وقد تمتد سنوات. سيكون عام ٢٠١١ أطول سنة فى تاريخ المصريين وإن مر عليهم أكثر من يناير. هذا ليس افتتاحاً متشائماً للأجندة الجديدة.. هذه مصارحة تقول إنه لكى تفتح صفحة جديدة يجب أولاً أن تسدد كل الفواتير القديمة. مضى نظام الحكم إلى حساب التاريخ، لكن المصريين لم يسددوا ما عليهم من استحقاقات. نظفوا الشوارع من بقايا الجثامين ودماء الضحايا لكنهم لم يعرفوا بعد من فعل كل تلك الجرائم فى عام انتهى.
أجابوا عن بعض أسئلة المستقبل بارتباك خاطئ. فى تاريخ الشعوب إجابة سؤال واحد قد تكفى للرسوب سنوات. حين يعرف المصريون ماذا يريدون حقا سوف تتبدل صور أعوامهم. حين يدفعون الاستحقاقات اللازمة ويؤمنون عن قناعة بأن لكل معادلة مقدمات ونتائج سوف يتحقق لهم الرضاء عن أوضاعهم، حين يتذكرون أن كل نصيب لا يأتى إلا لمن اجتهد، حين يسلمون أنه على قدر الجهد يأتى النصيب، حين يتصالحون فيما بينهم، حين يصالح كل منهم نفسه.. وقتها فقط سوف يبدأ عام جديد. كل عام وأنتم بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ