السبت، 7 يناير 2012

البيه «ناقط» سياسى


  بقلم   مفيد فوزى    ٧/ ١/ ٢٠١٢

حب مصر لا يحتاج لزئير حناجر، ولا لغناء على الربابة. فقط بالبناء والبدء بالذات بلا مليونيات.. وظنى أن بطل كل الذى جرى ومازال يجرى هو النفاق وجذوره الحقد الأسود والتبعية العمياء، ودائماً آخر النفاق.. هباب. ويرقد المصريون على بركة من النفاق فرضها الفرعون والنظم والأنظمة، وقد صار النفاق فى الجينات لأنه موصل جيد للحرارة لدى من بيده الأمر والنهى من أول فراش على باب رئيس الأرشيف لغاية الحاكم الذى يركب أعلى ما فى خيله، بعض الناس يتنافسون نفاقاً ويجعلون من «الخد» مداساً لقدم الكبير، ومن المؤكد أن الثورة الينايرية قد أسقطت نظاماً، وأطاحت بحاكم، ولكنها لم تدك قلاع النفاق، فمازالت النفوس «تهنج» أمام كلمة نفاق وتحتاج إلى «شاحن» ضمير! وليس صحيحاً ولا علمياً أن الثورة الينايرية قد قضت على شتلات النفاق المزروعة بطول الوادى وعرضه..
 فمازال المنافقون بصحة جيدة، ينافقون الجيش والثوار والإخوان والسلفيين و... ميدان التحرير! كل على حسب الريح ما يودى ببوصلة المصالح التى تتصالح. قليلون يشمون النفاق عن بُعد ويرفضونه، والأغلب الأعم يستعذبه كعذوبة نبع ماء، وقد أفرز الميدان ثواراً حقيقيين، اختفوا عن المشهد المزركش بأطياف السياسة السبعة، وآخرين ثواراً مزيفين، رضعوا من «ثدى» النظام السابق - إن أذن التعبير - ثم غيروا وجوههم بعمليات جراحية تحمل ملامح الثوار وهم ليسوا ثواراً، وأحدث المهن التى ولدت فى الميدان كخلع الضرس دون ألم، مهنة «ناشط سياسى»، ومعلوماتى المتاحة عن النشطاء السياسيين هم أولئك المشتغلون بالسياسة، السائرون فى دروبها والمكتوون بنارها والمطاردون أمنياً والدافعون عن حرياتهم ضرائب السجون والمعتقلات، فى ظلام الزنازين الرطبة، أما أن يظهر فجأة أى واحد شايل لاب توب على كتفه وتسأله أنت مين؟ يقولك ناشط سياسى (!)
بأمارة إيه يا بنى؟! فهؤلاء النشطاء اللقطاء قليلو التجربة معدومو الخبرة وليس كل من نزل الميدان «جيفارا» ولا كل من طافت الميدان «جميلة بوحريد» وتدَّعِى أنها ناشطة سياسية(!)
هذا النوع من «النشطاء» لا يسمع سوى نفسه ويتقولب داخل دماغه ويرفض لمجرد الرفض ومبدأ الجدل بكلمة لا وكأنه مولود للجدل.. يتكلم بغطرسة ويدعو للتظاهر ربما بلا مبرر ويحرض على الاعتصام دون سبب محدد وله مقعد دائم فى الفضائيات وربما مذيع فيما بعد، ينقطك بغروره حتى إنك تصفه بـ«ناقط» سياسى.. فهو محلل سياسى دون أن يتأهل لهذه المهمة الصعبة ويثرثر ليل نهار وينافقه البعض بالاستماع إليه باعتباره مندوب التحرير مع أن لقب المحلل السياسى يتقن الإبحار فى بحار السياسة الغويطة. بعض الفنانين راقت لهم ولهن هذه «المهنة» فراحوا يقيِّمون «لا نخشى تصاعد التيار الإسلامى» أهو نفاق للإسلاميين أم صيحات عنترية ليس إلا؟ ولعلى أرى الفنان يستطيع بفن صادق أن يحدث التغيير دون الحاجة إلى أن يصير «ناقط سياسى»!
هناك «الناشط الاجتماعى» الساعى إلى فهم عمق ظاهرة أولاد الشوارع «مشتل» البلطجة الخصب.. هناك الناشط البيئى الساعى إلى إرساء ثقافة احترام المكان فلا يتلوث بصرياً أو سمعياً، أما «الناقط السياسى» التايوانى، فأنت بقليل من الفطنة تفرزه، وكم امتلأت ساحة الميدان بهذا الصنف الذى يرتدى قناع ثائر، فإذا أزحت القناع عن وجهه اكتشفت التزوير.
والأخطر أنك لا تعلم باسم من يتكلم «الناقط السياسى» منهم، فالميدان على مدى عام ضم الصقور والغربان، الصقور لم تدنس أيديها بأموال مشبوهة، والغربان يتضايقون من «التفتيش» على من قبضوها، والأدهى من اعتبر عملية تنقية الميدان من المأجورين وإظهار الحق باطلاً وبهتاناً، وكشف الأمريكان عن الوجه القبيح طالما أعلن «من يقبض فى المنظمات المدنية»؟!
فلا يعقل أن نظل نردد أن فى الميدان صبية ومراهقين تُدس فى أيديهم فلوس ليدمروا ويحرقوا، ونسكت! ولا يعقل أن نردد أن من يفجر الكوارث طرف ثالث أو «لهو خفى» ونسكت! ولا يعقل أن يتهم طيف سياسى معين بقبض أموال بالدولار والتدريب على الأفخاخ والكمائن والفتن.. ونسكت؟!
فالساكت عن الحق شيطان أخرس، وكنت أحلم بقيادة فكرية واحدة - لا مائتى ائتلاف - للثورة الينايرية، كنت أحلم بمبادئ ثورية تنجز خلال عام مضى الوقوف ضد «خراب البيوت»، إحدى شظايا الثورة فى العمق. كنت أحلم بعقول الميدان المفتوحة المسام.. نؤمن بأن التطور لا غالب له «أحمد لطفى السيد»، كم ضيعنا وقتاً فى حكومات خاب أملنا فيها، وكم ضيعنا وقتاً فى اختلافات لم تعرف بصيص اتفاق واحداً، وكم أفطرنا بالنميمة والحكايات الأسطورية، وتغدينا بادعاء الزعامات وتعشينا - عبر الفضائيات - بالصراعات السياسية الخشنة، و... ونسينا البلد. آه يا بلد!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعه حكم مصر من بداية عهد الفراعنة https://youtu.be/jJ